كثيرات هن الفتيات أمثال إكرام المسجونات بسبب قضايا السرقة والاعتداء، فهذه ابتسام التي تكره الوثائق الرسمية، حتى أنها رفضت التوقيع على عقد زواجها، تقول، ورجعت هاربة من باب البلدية، لأنها لا تحب الوثائق، فهي لا تملك سوى شهادة الميلاد، ورفضت حتى استخراج بطاقة هوية، قلت لها لأنك لا تريدين أن تكوني مسجلة في ملفات الشرطة، قالت: نعم، ولكنني الآن بعد سجني صارت لديّ ملفات في الشرطة والعدالة والسجن• ابتسام سجنت بسبب سرقة هاتف نقال والعقوبة سنتان، وهي الأخرى تنتظر الثامن مارس، ابتسام تعيش مع رفيقها في حي الجزيرة بباب الزوار، وتسألني كيف لصحفية لا تعرف حي الجزيرة؟! سألتها كيف قبلت أن تعيش مع رجل وتنجب منه طفلة دون أن يكون لها دفتر عائلي؟ وكيف قبل والدها ذلك؟ قالت: تعالي إلى ''الجزيرة'' وسترين بعينيك كيف يعيش الناس في هذا المكان، كلهم مثل وضعيتي، يعيشون هكذا في الحرام، وينجبون في الحرام• ابتسام لا تفكر إلا في ابنتها التي لم تحضر حفل عيد ميلادها الأول لأنها بالسجن، لكن والد ابتسام يزورها باستمرار ويأتيها بابنتها• سألتُ سهام، كم مدخولها اليومي من السرقة، قالت ما بين 6 آلاف إلى 10 آلاف دج، وأحيانا أكثر، وهي إلى جانب السرقة تقول إنها تحترف ''الشحاذة'' حتى أن الكل في الجزيرة يطلقون عليها اسم 10 دج، ''ابتسام ألف فرنك'' كما أنها تطلب دائما ألف فرنك•• كما أنها تنظف السيارات وتمتهن الغسيل للعزاب، وكل ما يدر عليها مالا• وكيف قبل والدك أن تصرفي عليه من المال الحرام•• سألت إبتسام• قالت لم يكن يدري ذلك إلا عندما دخلت السجن! الشيء الإيجابي الذي عرفته في السجن، هو أنه لم يعد هناك جناح لسجناء الرأي والسجناء السياسيين، وقالت لي ''أما مسكين'' السجينة التي قضت 18 سنة بجناح النساء بالحراش، أن لويزة حنون قضت سنوات بالجناح، وقد تحولت الغرفة التي كانت بها إلى مكتبة، وورشات تعلم الخياطة والإعلام الآلي• وزيرات كن سجينات وفي ساحة السجن يتحدثون أيضا على وزيرتين حاليتين ووزيرة سابقة مررن من هنا لفترة قصيرة، ولم أعرف سبب عقوبة هؤلاء، ولا في أية سنة، وإن كانت أسماؤهن يعرفها الكل في السجن، فتاريخ ''الحراش'' يروى من سجينة إلى سجينة، ومن جيل إلى جيل، ولم أتأكد من هذه المعلومة!! وبعد خمسة أيام قضيتها في القاعة رقم 2 استدعتني الضابطة وعرضتني على الطبيبة قبل أن تحولني إلى العيادة، ربما لأن وجودي مع السجينات أحرج إدارة السجن، وكان لابد من رأي الطبيب لأحول على العيادة• جو العيادة غير جو القاعة المذكورة، فالجدران نظيفة وملونة بألوان زاهية (الوردي والأبيض) وعدد السجينات قليل (7 سجينات وثلاثة أطفال) بالإضافة إلى المدفأة، والشيء المميز الآخر، هو وجود مرآة فالمرايا ممنوعة في القاعات الأخرى، لأنه سبق وأن استعملتها السجينات في شجاراتهن• فلأول مرة منذ أسبوع أرى وجهي في المرآة!! لكني في العيادة حرمت من قصص السجينات العجيبة• وفي العيادة تعرفت على حالات أخرى، وتعرفت قبل كل شيء على ثلاثة أبرياء ''دينا'' ذات السنتين، ولا تعرف إلا ترديد العبارات المتداولة في السجن ''لاسوب، البارلوار، الضابطة، الكورفي••• ومثل أمها المحكوم عليها في قضية دعارة واستغلال قاصر تعودت دينا على تفتيش القفف التي تصل السجينات، لتأخذ منها الفواكه والطعام، فوالدتها حاجبة قاعة العيادة، وكثيرا ما تهين أمامها السجينات، فصارت الصغيرة لا تحترم أحدا، مادامت والدتها الأقوى في نظرها في هذا المكان• وهناك رضيعان ''يانيس'' ذو الستة أشهر، والدته محكوم عليها بالمؤبد في جريمة قتل اقترفتها بداية السنة الماضية رفقة زوجها، أين دعيا صديقا لهما على وجبة عشاء ثم قاما بقتله وسلبه المال، وهي تتبرأ من المشاركة في الجريمة، لكن زوجها أصر على ذلك، وبوعلام ذو الثلاثة أشهر ووالدته محكوم عليها ب 18 شهرا سجنا في قضية دعارة• وجود الأطفال في العيادة كان بمثابة الهدية بالنسبة لي، فأنا أحب الأطفال حبا شديدا، وقد ساعدني وجودهم على نسيان محنتي، فكنت أساعد أمهاتهم في الإهتمام بهم، عندما يقمن بأشغال التنظيف اليومية، فكنت أعطيهم الرضاعات، وأغني لهم الأغاني التي كنت أغنيها لأبنائي، وأراقصهم وأستمتع معهم بضحكاتهم البريئة والصافية، وقد ذكرني هذا بأمومتي، وبابنتي الصغيرة ''لينا'' والتي اشتقت إليها كثيرا في أيامي الأخيرة• فقد علمت والدة ''يانيس'' كيف تميز بين بكاءات ابنها•• فهي أم لأول مرة، بعيدة عن أهلها، فهذا بكاء الوجع، وهذا بكاء الجوع، وهذا بكاء النوم، وهذا بكاء الدلال!! فقالت كيف تعرفين كل هذا؟! فقلت إنني أم لثلاثة أطفال!! ''يا إلهي، ليس هذا المكان اللائق بتربية هؤلاء الأبرياء، كنت أقول دائما، فيانيس يعاني من زكام وحشرجة دائمة في الصدر، وبوعلام الذي سميته عبد الله، لم يأخذ حمامه منذ ولادته، ومع ذلك فإن إدارة السجن تحاول قدر المستطاع توفير حاجيات هؤلاء الأبرياء من حليب وفرينة وحفاظات، ووجبات أكل خاصة بهم وكذا الرعاية الصحية• أما بالنسبة للصغيرة دينا فعلى العكس من ذلك، فربما ما كانت لتلقى مثل هذه الرعاية في الخارج، مثلما تتلقاها في السجن، لكن الذي يقلق أمهاتهم، هو فراق أطفالهم المرتقب لأن القانون لا يسمح ببقائهم بعد سن الثالثة، فإما أن يخرجوا عند أقاربهم، أو يحولون على مراكز الطفولة المسعفة، وفي كلتا الحالتين سيتأثر الطفل والأم معا• وهو المستقبل الذي يخيف فايزة والدة يانيس، وزهيرة والدة دينا•• فالأولى محكوم عليها بالمؤبد والأخرى ب 15 سنة، وإن كان الصغير بوعلام أفضل حظا منهما، لأنه سيخرج مع والدته المحكوم عليها ب 18 شهرا أمضت نصفها، وتنتظر عفو الثامن مارس هي الأخرى، لكنه لن يكون في الخارج أفضل حالا من السجن، ولن يكون في مأمن، ولا أنه سيجد التربة اللائقة لتربيته، فوالداه محكوم عليهما في قضية دعارة، وليست هذه المرة الأولى التي تدخل فيها والدته السجن!! ففي العيادة حدثوني على سجينة كانت هنا من شهور رفقة رضيعتها رفضت الخروج من السجن و قالت إنها لن تجد لها مأوى آخر و الحليب و الحفاظات لابنتها !! يتبع ...