هذا الشعور الذي كاد أن ينساه الجزائريون منذ أيام بلومي، عصاد وماجر، وتعاقب النكسات الكروية على الفريق الوطني الذي كان بحاجة إلى لمسة مدرب محنك، هو حتما سعدان، الرجل الذي استطاع في هدوء إيجاد الحلقة المفقودة في الكرة الجزائرية وإعادة رسم الخريطة الكروية الإفريقية والعربية وحتى العالمية بعد أن احتل منتخبنا لأول مرة وبقيادة الشيخ مكانة محترمة في ترتيب الفيفا• قدم السيد عمار سعدان والد المدرب الوطني من منطقة العنصر بولاية جيجل للعمل بباتنة سنة ,1910 ويشير الأخ الأصغر للشيخ، السيد الشريف، صاحب مكتب الهندسة والخبرة العقارية حاليا بحي ''السطا'' أن المنزل الذي ولد فيه رفقة شقيقه رابح كان بمحاذاة ملعب الشهيد ''سفوحي'' وكانت هذه المنشأة الرياضية أهم ما يميز الحي للمكانة العالية للعبة كرة القدم في نفوس أبنائه وشباب مدينة باتنة ككل• وكان الطفل كمال منذ صغره واحدا من هؤلاء، أعجب بهذا الفضاء الرياضي ورأى فيه أنسب مكان لتفجير طاقاته ومهاراته منذ أن داعبت قدماه الكرة لأول مرة، موازاة مع دراسته الابتدائية بمدرسة الأمير عبد القادر بباتنة، وانتقاله إلى الطور الإعدادي بإكمالية العمراني، حيث أهّله اجتهاده وتفوقه في المسار التعليمي إلى نيل شهادة البكالوريا سنة 1966 من ثانوية رضا حوحو بقسنطينة• وهنا كان المنعرج الحاسم في حياة رابح سعدان ومسيرته الرياضية، بعد تلقيه لعرض مغر لإتمام دراسته بمعهد للطيران بالولايات المتحدةالأمريكية، غير أنه رفض العرض ووجه كل اهتماماته نحو كرة القدم كاشفا عن عشقه الدفين للكرة وبعد طموحه في هذا المجال• أكمل ''كمال'' دراسته بالمدرسة العليا للرياضة بالجزائر وتحصل سنة 1972 على شهادة ''أستاذ في الرياضة البدنية'' وافتتح مساره المهني كأستاذ بذات المدرسة• يتفق اللاعبون القدامى في فريق مولودية باتنة من جيل الإخوة زندر وحمة ملاخسو والشريف بليدي إلى أن مدرسة المولودية الرياضية الباتنية المؤسسة سنة 1962 بألوانها الأبيض والأسود والأخضر وبشعار شجرة الأرز، هي أول مدرسة كروية تتلمذ فيها الشيخ رابح سعدان واكتشفت مواهبه فوق المستطيل الأخضر قبل أن يلتحق بأندية أخرى كاتحاد الأبيار، ومولودية قسنطينة واتحاد البليدة، ومنها إلى نادي ''ران'' الفرنسي• ويجمع اللاعبون الذين التقيناهم من قدماء مولودية باتنة والذين احتكوا برابح سعدان في فترة لعبه للفريق على طيبة قلبه ودماثة أخلاقه وهدوء ينمّ عن الرزانة والاتزان فضلا على أنه كان محبوبا من طرف اللاعبين والمؤطرين الذين توسّموا فيه اللاعب الفذ ذو الذكاء الخارق والنظرة الثاقبة وتوقّعوا له مستقبلا مشرقا في عالم الكرة• ولا يزال الحنين يراود الشيخ إلى فريق مولودية باتنة، حيث لا يفوت فرصة لزيارة أسرته بالمدينة إلا واتصل بالزملاء والرفاق السابقين ليطمئن على أحوالهم، ويجتمع بهم رفقة أنصار النادي للحديث عن البوبية والتعرف على تطلعات الشيخ وآماله بخصوص المنتخب الوطني والكرة الجزائرية• وكانت آخر هذه الزيارات لباتنة منذ حوالي شهر، حيث أقام الفريق احتفالية خاصة بهذه المناسبة، وتزاحم الأنصار بمقهى النادي لأخذ صور تذكارية مع الشيخ، وكرّمت المولودية ابنها البار• وحسب العارفين بالسلوك الكروي للشيخ، فإن عبقريته تكمن في قدرته الفائقة على وضع يده بمكمن الموهبة لدى كل لاعب ونظرته إلى أن كل لاعب يتفوق على زملائه في شيء على الأقل، وعلى المدرب البارع أن يستثمر بشكل جيد في قدرات لاعبيه وأن يعمل على استنطاقها ومزجها في أداء جماعي فوق الميدان• كما يملك الشيخ من المؤهلات ما يجعله يرسم تصوره الخاص لأي مقابلة وفق نظرة واقعية يستمدها من معطيات ومجريات المباراة خلال العشر دقائق الأولى، ما يترجم ثراء السجل الرياضي لسعدان وافتكاكه، على سبيل المثال، لكأس العرب مع وفاق سطيف سنة 2007 وكأس الأندية البطلة وبطولة الجزائر مع نفس الفريق وفي نفس السنة• كما أحرز الشيخ كأس إفريقيا للأندية البطلة مع فريق الرجاء البيضاوي المغربي سنة ,1990 بعد أن درب الفريق الوطني للأصاغر سنة 1977 والأواسط سنة 1979 والفريق الوطني أكابر سنة 85 - 86 وكان قبل هذا واحدا من صانعي ملحمة ''خيخون'' بإسبانيا في .1982 وأشرف الشيخ على العارضة الفنية للفريق الوطني اليمني سنة 2004 واختارته الفيفا كأحسن مدرب عربي، متقدما على سبعين مدربا عالميا مثل زيكو وهنري ميشال• هذه بعض المحطات في حياة ''الشيخ''، وهو الآن في الرابعة والستين يقود قاطرة منتخبنا إلى مونديال البافانا بافانا بواقعيته وهدوئه المعهود وعزمه الكبير وخطوات ثابتة تتجه إليها أنظار الملايين من الجزائريين الذين يخرجون فرادى وجماعات إلى شوارع 48 ولاية عقب كل انتصار يحرزه أشبال الشيخ سعدان للهتاف بحياته وحياة الفريق الوطني وحياة الجزائر•