ترى ما هو السبب الحقيقي الذي جعل الرئيس المصري حسني مبارك يطير إلى باريس ليطلب من صديقه ساركوزي نقل قمة الفرانكوفونية من شرم الشيخ إلى باريس؟! المعروف أن مصر مبارك ''حفي سباطها'' من الجري وراء فرنسا، لأجل عقد القمة في شرم الشيخ! ليس لأن مصر فرانكوفونية•• بل لأن مصر تريد المساعدة على ترصدها فرنسا للذي يعقد القمة فوق أرضه••! أكثر من هذا، كانت مصر تريد من عقد هذه القمة في شرم الشيخ تحقيق هدف آخر، مادي، وهو تنشيط السياحة من خلال حضور أكثر من 50 وفدا إلى شرم الشيخ لحضور القمة، خاصة وأن الأزمة العالمية الأخيرة أدت إلى تناقص السياحة في مصر بصورة كبيرة••! إذًا لماذا تخلى مبارك عن عقد القمة بهذه الطريقة؟! وهل حقيقة الأمر يتعلق بالرئيس البشير الذي لا تريد فرنسا أن يحضر القمة في مصر؟! وهل مصر يمكن أن تتحرج لو طلبت من الرئيس البشير عدم حضور القمة في شرم الشيخ؟! لا أعتقد ذلك لأن مصر التي لا تتحرج في أن تقول للبشير ''سلم نفسك إلى محكمة العدل الدولية'' لا يمكن أن تتحرج من أن تقول له: لا تحضر قمة شرم الشيخ حتى لا تحرج مصر مع الفرنسيين والإسرائيليين•• وكل الدول التي تحضر باسم الفرانكوفونية! إذًا نقل القمة إلى باريس كان عبارة عن عقاب مادي لمصر! وهذا العقاب لا يمكن إلا أن يكون وقع لسبب آخر أهم وأعظم من قضية السودان والبشير، خاصة وأن السودان ليست إلا عضوا ملاحظا•• وغيابه عن القمة لا يؤثر في شيء!؟ لهذا قال أبو الغيط وزير خارجية مصر إن الأمر يتعلق بإبعاد السودان من القمة! وهذا القول في حد ذاته هو شماعة أرادت مصر أن تعلق عليها قرار التخلي عن القمة لصالح فرنسا، وأن قضية السودان جاءت لإخفاء السبب الحقيقي الذي كان وراء نقل مكان هذه القمة والذي لا تريد القاهرة أن تذكره! لو عقدت القمة في شرم الشيخ في هذه الظروف، فإن دولة مثل الجزائر لن تحضر•• وفرنسا التي بذلت ما بذلت من أجل دخول الجزائر إلى هذه المنظمة لا يمكنها أن تسمح بغياب بلد مثل الجزائر•• أكبر بلد فرانكوفوني بعد فرنسا•• لأسباب سياحية وتجارية مصرية••! لهذا تكون فرنسا هي التي طلبت من مصر نقل مكان القمة لأسباب أخرى غير سبب الرئيس عمر البشير! ولكن مصر لا تريد أن تقول للناس السبب الحقيقي الذي من أجله نقلت القمة من مصر إلى فرنسا! ولعل هذا هو السبب الذي جعل الرئيس مبارك يتنقل بنفسه إلى باريس ليسمع من الرئيس الفرنسي ما تريده فرنسا! وفي نفس الوقت تقدم مصر مبارك نفسها على أنها ضحت بالقمة لأجل العلاقة الاستراتيجية مع السودان! وهذا التضليل السياسي الذي تقوله مصر في موضوع قمة الفرانكوفونية لا يختلف عن التضليل الإعلامي الذي قامت به الفضائيات المصرية في موضوع الكرة! هل تتجرأ مصر على القول للعالم إن أزمتها مع الجزائر هي التي كانت وراء نقل القمة من شرم الشيخ إلى باريس؟! والحال أن مصر هددت الجزائر بالحصار السياسي كما تفعل أمريكا مع من يعارضها في الأمم المتحدة! ألم تقل وسائل الإعلام المصرية مهددة الجزائر: ''ستجد الجزائر مصر أمامها في كل المحافل الدولية''؟! وستفرض مصر العزلة على الجزائر!؟ فإذا بالأمور تأخذ منحى آخر، فأصبحت مصر تجد أمامها الجزائر•• من حيث لا تريد الجزائر•• وربما من حيث لا تريد مصر أيضا!؟ هل تتجرأ مصر على الإعلان صراحة أن الأزمة مع الجزائر هي التي جعلت فرنسا تفضل الجزائر على مصر في موضوع الفرانكوفونية؟! سوء إدارة مصر لأزمتها مع الجزائر هو ما أدى إلى هذه الانهيارات المتتالية للسمعة المصرية في المحافل الدولية، سواء على الصعيد الكروي أو السياسي والاقتصادي•• وغدا ستعرف مصر أيضا انهيارات ثقافية موجعة! والحكومة الجزائرية بدأت تتخذ إجراءات عملية لمعالجة موضوع العلاقات مع مصر بصورة جدية•• وقد تلقت إشارات تفيد بأن السلطات المصرية قد أخذتها العزة بالإثم•• ولا تريد مراجعة نفسها ومراجعة ممارساتها الخاطئة إزاء الجزائر•• ومن هنا جاءت تعليمات رئيس وزراء الجزائر أحمد أويحيى إلى المسؤولين الجزائريين بضرورة التعامل مع المصريين عبر وزارة الخارجية الجزائرية•• وهذا في حد ذاته هو منطق الدولة الجدية الناضجة في موضوع إدارة الأزمات مع الدول بالحكمة المطلوبة! بقي أن نقول للمصريين، ولمبارك تحديدًا: الجزائر تريد علاقات مع القاهرة مبنية على الاحترام المتبادل•• والاحترام الكامل•• والجزائر لا يمكن أن تسيّر علاقاتها مع القاهرة عبر باريس أو حتى واشنطن••! أو أية عاصمة أخرى! وحين يفهم المصريون هذا الانشغال الجزائري المبدئي سيوفرون على أنفسهم وعلينا الخوض في مشاكل هم ونحن في غنى عنها!