تجد الفئات العاطلة عن العمل والمعوزة من شباب وأرباب العائلات والأطفال، في العديد من مدن ولاية الجلفة، ضالتها في تنوع خيرات الطبيعة من حشائش وأعشاب وثمار برية، لتجعل منها نشاطا تجاريا على حافة الطرق وأبواب الأسواق الأسبوعية لتخفيف العوز الإجتماعي اعتادت فئات اجتماعية من أعمار مختلفة، كل يوم، أخذ مسارها اليومي باتجاه الغابات والحقول والبراري الجبلية لقطف وجمع ما أمكن من الثمار البرية وأنواع من الأعشاب والحشائش والنباتات، لاستعمالاتها العطرية أو للتداوي بالطرق التقليدية أواستهلاكها طازجة، ليعود الجميع قبل غروب الشمس محملا بما جادت به الطبيعة التي لا تحكم فيها القواعد التجارية ولا الرقابة· وأخذت هذه الثمار مكانا لها في الأسواق اليومية والأسبوعية أو عرضها على حافة الطرقات، ويتوسع نشاط تسويقها إلى فئات شبانية أخرى تشتري البضاعة البرية بالجملة لإعادة بيعها بالتجزئة· ويشتكي معظم ممتهني هذه الحرفة من الإقصاء والتهميش من البرامج الاجتماعية المخصصة لهم، فلم يجدوا إلا حضن الطبيعة ومداخل أبواب الأسواق تخفف عنهم معاناتهم إزاء الفقر والتهميش، الذي جعل الكثير من الأسر الجلفاوية تبحث عن لقمة العيش بأية وسيلة· الجولة التي قادتنا إلى بعض البلديات والمناطق الريفية كشفت لنا الظروف الصعبة التي يعيشها هؤلاء بعين المعبد والشارف وسيدي بايزيد وحد الصحاري، التي حملت تضاريسها الجبلية جحافل من الأطفال الصغار المرتدين ملابس بالية رفقة أوليائهم على حمل الأكياس التي يوضع فيها السميد، ويقطفون مختلف أنواع الحشائش والأعشاب المخصصة للأكل والتداوي ومنها الثمار الوردية ذات المذاق الحلو· سألنا الحاج لخضر، وهو من قاطني إحدى المناطق النائية في بلدية سيدي بايزيد عن هذه المهنة والتجارة، حيث قال إنها مربحة لكنها متعبة جدا، ويضيف أن خبرته في هذا المجال تفوق 30 سنة، وكان في ثمانينيات القرن الماضي بعد جمعه كمية كبيرة من مختلف الأعشاب يتجه نحو ولاية البليدة لبيعها لكنه الآن يسوقها في الجلفة· ويضيف المتحدث أنه يستعين في عمله على حمار لأن المناطق التي يعمل فيها وعرة المسالك· نفس الكلام جاء على لسان مفتاح، الذي وجدناه برفقة ابنه جمال البالغ من العمر 27 سنة، حيث قال إن ''هذه المهنة كان يمتهنها عدد قليل من المواطنين، لكن الآن أصبحوا يعدون بالمئات بسبب ظروفهم الاجتماعية الصعبة وغياب فرص العمل· وأضاف أنه يعيش هو وأفراد عائلته ال 13 من بيع الأعشاب ومختلف النباتات، أما عن خيرات الطبيعة التي يقطفها فهي الخرشف البري والفرنينة والترفاس في فصل الربيع، بالإضافة إلى بعض الأعشاب الطبية كالزعتر والشيح والحبة السوداء التي يفرزها الحرمل· من جهته، قال الطفل محمد إنه أصبح من ممتهني هذه التجارة رغم صغر سنه، لأنه وجد الوسيلة التي تمكنه من جمع بعض المال يساهم فيه في سد بعض مصاريف العائلة ومساعدة والده الفقير، إضافة الى الاعتماد على نفسه في تحصيل مصروف جيبه، لكن على حساب الدراسة· وقال في هذا الصدد إن ما يحققه الآن قد لا يحققه مستقبلا إذا تمكن من مواصلة دراسته والحصول على الشهادة، في إشارة إلى المئات من خريجي الجامعات الذين لم يتمكنوا من الظفر بمناصب عمل وغير قادرين على قطف الثمار البرية لكسب القوت· وفي سوق مدينة الجلفة، كانت لنا الفرصة للحديث مع الفقراء والبطالين المهتمين ببيع هذه الأعشاب الذين ينتشرون عبر مداخله، ولكن متاعبهم ليست مثل الذين يجلبونها من المناطق الوعرة· وأجمع بعضهم أنهم لم يدخلوا المدرسة وينحدرون من مناطق ريفية، كما أن هناك فئة في بلدية حد الصحاري تمتهن صناعة القطران والشمة، وأضافوا أن بيع هذه الثمار والأعشاب ليست سهلة في الأسواق، فقد تستغرق عملية بيع حزمة من الأعشاب ساعات وساعات، وهذا بعد مفاوضات مع الزبائن، خاصة النسوة اللواتي يحسنّ كثيرا فن البيع والشراء· وعن هذه المهنة، قالوا إنها تعد حاليا المصدر الوحيد الذي يحقق لهم بعض المال، ويجنبهم الالتحاق بركب المنحرفين الذين يفضلون أحسن الطرق وأسهلها لكسب المال·