لتكون سياسيا محنكا في فرنسا، يجب أن تجيد الكراهية وتبدي عدوانا للجزائر وللثورة الجزائرية، هذا ما نفهمه على الأقل من الخطاب السياسي العنصري الذي صار يتبناه اليمين الفرنسي في كل مرة كلما كانت هناك انتخابات في الأفق. الجزائر والإسلام، هي الصورة البائسة التي يحاول اليمين الفرنسي وعلى رأسه حزب لوبان، جمع الفرنسيين حولها، بعدما نجح هذا الخطاب في رئاسيات 2002، في الاقتراب بلوبان من كرسي الرئاسة، وأجبر اليسار على اتخاذ موقف موحد للوقوف في وجه اليمين في الدور الثاني للرئاسيات. واليوم، وبعد مجيء ساركوزي إلى الحكم مستغلا ثورة الضواحي التي قادها أبناء المهاجرين عندما أشعلوا النار في الشارع الفرنسي احتجاجا على أوضاعهم، وما يعانونه من عنصرية في الشغل والدراسة وكل مجالات الحياة، ها هو اليمين في هذا البلد الذي يدعي حقوق الإنسان، يعود من جديد إلى الخطاب العنصري حماية للهوية الفرنسية وحماية للبعد المسيحي في هذا البلد الذي يدين باللائكية. وإلا بماذا نفسر لافتة تتخذ من العلم الجزائري والمآذن والخمار شعارا لها في الحملة الانتخابية؟ وليس غريبا أن يحقق هؤلاء نسبا كبيرة في الصناديق مثلما فعل جيرانهم بسويسرا عندما صوتوا بنسبة 57? ضد المآذن، أي ضد الإسلام، لا يهم إن كان متطرفا أو حضاريا. من حق أوروبا حماية معتقداتها وقيمها، لكن عليها فقط أن تختار طرق الدفاع المستعملة، لا أن تجعل من الجالية الجزائرية أو غيرها من المسلمين المتواجدين في التراب الفرنسي عدوا يجب محاربته، لأن هذا سيجعل منهم هدفا للمتطرفين وما أكثرهم الآن في أوروبا بعد حملات الإسلام المتطرف التي تقودها القاعدة وأخواتها على الغرب. ثم إن هناك إرثا ثقافيا وحضاريا لهذه الجالية التي يعود وجودها في فرنسا وأوربا بصفة عامة لأزيد من قرن، ومنها الكثير من الأسماء التي أثرت الحياة الثقافية والاجتماعية لتلك البلدان، ومنها الكثير من العلماء الذين أثروا الجامعات ومراكز البحث بفكرهم النير، وبأبحاثهم العلمية، فالمستشفيات الفرنسية مثلا تسير ب40? من طاقمها من قبل جزائريين، ونفس الشيء في الجامعات والمؤسسات الأخرى، فكيف سيكون منظرهم أمام الفرنسيين وأمام الخطاب المتطرف هذا الذي يضعهم هم ومجرمي بلادن في كيس واحد؟! أين شعارات الحرية التي بنت عليها فرنسا جمهوريتها اللائيكية من كل هذا، فهي بهذا تعطي المتطرفين الإسلاميين ذريعة مواصلة حربهم على الغرب، وتدفع بهم لتصعيد العنف وتعميمه على الجميع. وما حدث في السنوات الماضية من عمليات إرهابية هو أحد نتائج تصاعد التيار المتطرف في الكثير من البلدان الأوروبية.