خرج 25 ألف جزائري إلى شوارع سطيف أمس في أكبر مظاهرة تعرفها البلاد تخليدا لأحداث 8 ماي 1945، أسموها "مسيرة الوفاء". الجديد في هذه التظاهرة، أنها ليست رسمية مثل تلك التي اعتادت السلطات المحلية تنظيمها في المدن المتضررة من هذه الأحداث، مثل ڤالمة وسطيف وخراطة، وإنما جاءت بمبادرة من المواطنين أنفسهم. وجاءت التظاهرة ردا على ما يحاك في الضفة الأخرى من تقزيم للثورة ومن تجاهل لمطالب الجزائريين بالاعتراف والاعتذار. وردا أيضا على ما يحاك هنا من مؤامرات مكملة لعمل كوشنير واليمين الفرنسي، يراد بها أيضا تقزيم دور الثورة، وزرع الشكوك بين الجزائريين حول تاريخهم وأبطالهم، أي بعبارة أخرى، إتمام ما بدأه "ليجي" في إطار المؤامرة المسماة "لابلويت" والتي أدت إلى تصفية عدد كبير من خيرة إطارات الثورة، الذين لو بقوا لكان الأمر سيكون مختلفا بعد الاستقلال. لكن الرسالة التي يجب أن نقرأها من هذه المظاهرات غير الرسمية التي نشطها شباب، هي أنه رغم الأزمة التي عاشتها البلاد خلال عشريتين، ومن محاولة لطمس الهوية الوطنية، ومن مخطط لضرب إرث الثورة وفلسفتها وإخراجها من محتواها وتقزيم دور الجيل الذي قام بها، وأيضا التشكيك في عدد المجاهدين والشهداء، لتنفير الأجيال منها، فإن روح نوفمبر، بل وروح المقاومة والحركة الوطنية التي بدأت منذ الساعات الأولى للانزال في شواطئ سيدي فرج مازالت حية، ومازال نبضها متوارثا جيلا بعد جيل.. واليوم انتفضت سطيف، وأرسلت رسالة واضحة إلى ساركوزي، وأخرى إلى نواب الشعب الذين خذلوا زملاءهم ووقفوا في طريق مبادرة إقرار قانون لتجريم الاستعمار، وغدا ستنتفض مناطق أخرى لا محالة، لأن جرح الاستعمار الفرنسي مازال ينزف، والدليل أن شخصية مثل سعيد سعدي قد تحدث منذ أيام وأصدر كتابا، ربما أراد من خلاله تجريم بعض الشخصيات التاريخية ، إلا أن قراءة متأنية له، هي محاكمة حقيقية للمستعمر ولحقبة استعمارية مازالت آثارها النفسية الوخيمة وأضرارها التي لحقت بالإنسان الجزائري وهويته وثقافته وممتلكاته وحياته ككل، مازالت ماثلة حتى اليوم، والدليل الآخر، أن شخصية من الشخصيات التي صنعت التاريخ والراهن الجزائري، علي كافي، تحدث أيضا وألقى الضوء على بعض العتمة التي لفت تاريخنا القريب، وكل هذا جاء بفضل روح المقاومة وروح نوفمبر، التي لم تنطفئ ولن تنطفئ نارها في قلوب الأجيال، حتى وإن خف تأثيرها، بحكم الظروف، وبسبب صراعات المصالح. لاشك أن رسالة سطيف أمس ستصل إلى باريس كاملة غير منقوصة، مثلما وصلت رسالة سعال بوزيد ورفاقه ذات 8 ماي 1945.