لا شك أن كل الجزائر من أدناها إلى أقصاها قد قضت، ليلة أول أمس، والحزن يعصر القلوب، بعد تأكد غياب المبدع مراد مغني عن المونديال. وقد نزل هذا الخبر كالصاعقة على عشاق الخضر نظرا للقيمة الكبيرة لهذا اللاعب الذي أقل ما يقال عنه أنه كملاك خارج الميدان بحيائه المنقطع النظير وشيطان في الملعب لمهارته في التعامل مع الكرة. البيان المشؤوم أعلنت الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، في ساعة متأخرة من مساء أول أمس، على موقعها على شبكة الأنترنت، عن قرار غياب اللاعب مراد مغني بصفة رسمية عن تعداد "الخضر" في مونديال جنوب إفريقيا. وهو القرار الذي اتخذ عقب الاجتماع الذي عقده المدرب رابح سعدان مع الطاقم الطبي الذي أشرف على معالجة العناصر الوطنية طيلة تربص كرانس مونتانا بسويسرا. وأشار بيان الفاف إلى أن الطاقم الطبي أكد بأنه ورغم الإرادة الكبيرة والاستثنائية التي أظهرها لاعب لازيو روما في العودة إلى مداعبة الكرة مع بقية الزملاء من جهة، والمساعي الحثيثة التي بذلتها الاتحادية من أجل ضمان التأهيل البدني للاعب وجعله جاهزا للمشاركة في أكبر تظاهرة كروية عالمية، إلا أن حالته الصحية لا تسمح له بالحصول على مكانة ضمن التعداد الرسمي للخضر في نهائيات كأس العالم القادمة، لأن اللاعب أصبح مضطرا إلى إجراء عملية جراحية للتخلص نهائيا من آثار وأعراض الإصابة التي أبعدته عن الميادين لأزيد من خمسة أشهر. القرار كان صعبا على الجميع عقد الطبيب الرئيسي لمصحة "أسبيطار" القطرية، البروفيسور حكيم شلبي، صبيحة أول أمس، بفندق "غولف أند بالاس" بكرانس مونتانا، جلسة عمل مغلقة مع الناخب الوطني رابح سعدان وكذا رئيس الفاف محمد راوراوة، خصصها لتشريح الحالة الصحية للعناصر الوطنية التي ظلت تحت الرقابة الطبية منذ انطلاق تربص "الخضر" بسويسرا، وفي مقدمتها قضية اللاعب مراد مغني التي أثارت اهتمام الوسط الكروي الجزائري طيلة الأسابيع الثلاثة الأخيرة، قبل أن يصدر قرار عدم إمكانية إدراج اسمه ضمن التعداد المشارك في المونديال. مغني بكى وأبكى معه الكثيرين تأكد غياب مغني عن مونديال جنوب إفريقيا، جعله، حسب مصدر من سويسرا، يبكي ويذرف دموع الحسرة والحزن عند سماعه الخبر الذي نزل على مسامعه كالصاعقة، كونه لم يصدق قرار شطبه، بعدما عمل المستحيل من أجل حجز مكانة ضمن التعداد الرسمي، وقام بمجهود يتعدى طاقته، لكنه صدم بالقرار الذي أعرب عن احترامه له متمنيا التوفيق للخضر، وعيناه مليئتان بالدموع. ويكون قد أبكى الكثير من القلوب التي أحبته بصدق، لا لشيء سوى لأنه كان صادقا ومخلصا للألوان الوطنية. من هو مغني...؟ ولد مراد مغني في ذكرى يوم العلم 16 أفريل 1984 في عاصمة الجن والملائكة باريس، ويعد ثمرة حب طيبة من زواج "علي" الجزائري وأمه البرتغالية "آنا"، ويعد شقيقه سعيد أقرب الناس إليه وقد تزوج في صيف 2008 من زوليخة بن شهرة وهو حاليا أب لطفلين. البداية الباريسية... تعلم مراد أبجديات الكرة في شوارع باريس وساعدته موهبته على تسهيل انضمامه لإحدى أكبر المدارس التكوينية في فرنسا، ألا وهو مركز كليرفونتين الذي يعد رائدا في فرنسا لكونه أخرج جون بيار بابان، نيكولاس أنيلكا... تيري هنري وغيرهم وهناك أبهر مراد الجميع، ما جعله يخطف مكانة في منتخب الديكة ويتدرج في مختلف الأصناف. لهذا لقب بزيدان الجديد إذا كان الفرانكو جزائري زين الدين زيدان قد أقام الدنيا ولم يقعدها في فرنسا خاصة عام 1998 عندما منحها أول لقب عالمي، فأطماع فرنسا في الاستفادة من المواهب الجزائرية ازدادت عندما طار مراد مغني في اتجاه واحد خلال البطولة الأوروبية لأقل من 16 سنة لعام 2000 التي لعبت في بلاد الضباب، حيث جانب الحصول على الكأس، لكنه خسر أمام إسبانيا بأضعف نتيجة، ووقتها اختير كأحسن لاعب في الدورة ولقب بزيدان الجديد، وهو ما شحن معنوياته ليتمكن من التتويج بكأس العالم لأقل من 17 سنة عام 2001 في ترينيداد وتوباغو، ويزداد تعلق الفرنسيين به أكثر فأكثر. مشواره مع النوادي الأوروبية كان مراد مطلوبا بشدة من الأندية الأوروبية منذ صغره. ففي ال16 سنة من عمره أمضى أول عقد احترافي له مع نادي بولون الإيطالي، وكان يعتمد عليه أحيانا في الفريق الأول، وهو ما سمح له بالاحتكاك مع نجوم الكالشيو وبقي هناك من 2000 إلى 2005 ثم أعير إلى نادي سوشو الفرنسي لموسم واحد 2005/2006 حيث لعب 16 مقابلة، ثم عاد بقوة إلى بولون وتم الاعتماد عليه في 35 مباراة، ما جعل نادي العاصمة لازيو يشتري عقده بمليوني يورو، وكان ذلك في موسم 2007/2008 ويتوج بكأس إيطاليا عام 2009 بعد نهائي مثير أمام سامبدوريا، وكان لازيو قبل ذلك قد أقصى كلا من اليوفي وميلانو في الأدوار السابقة، وهو ما سمح له بالتتويج بعد ذلك بكأس السوبر بعد إطاحته بالأنتر. نائب بطل أوروبا وبطل العالم وجد مراد أبواب المنتخب الفرنسي مفتوحة أمامه وعلى مصراعيها، حيث تمكن من الوصول مع منتخب أقل من 16 سنة للدور النهائي، وبعدها بعام واحد توج بكأس العالم لأقل من 17 سنة وكان وقتها يحمل رقم 10 والشوشو رقم واحد لدى الجميع، وكان بإمكانه أن يواصل رحلته مع الزرق، لكن نداء بداخله دعاه لتغيير اللون من الأزرق إلى الأخضر وهو أهم قرار في مشواره الرياضي. روراوة أحسن الاختيار عندما كان رئيس الفاف الحاج راوراوة يناضل من أجل إقناع الفيفا بمنح اللاعبين مزدوجي الجنسية الأقل من 21 سنة للعب لبلدانهم الأصلية، كان مغني أحد العوامل التي حمسته أكثر لإقناع الفيفا في مؤتمر باهاماس بأطروحته غير المسبوقة خلال الصيف الماضي، وهذا ليقينه بأن تواجد مغني مع الخضر سيعطى دفعا قويا لكتيبة الشيخ سعدان وهو ما حدث فعلا... الجزائر احتضنته من أول وهلة نجح روراوة في تمرير مشروعه في مؤتمر باهاماس 2009 وشرعت الفاف في التحرك لضم اللاعب الجوهرة مراد مغني للخضر، فكانت المواجهة الودية ضد الأوروغواي في أوت 2009 وبملعب 5 جويلية بداية المشوار الأخضر لمغني الذي أمتع الجميع بفنياته وافتك مكانة أساسية بإجماع كل المتتبعين. بطل أم درمان ساير مراد مغني الريتم العالي للتصفيات المؤهلة لجنوب إفريقيا التي خاضها الخضر، وأدى دورا رائعا في كل المواجهات التي لعبها وأهمها في أم درمان ضد منتخب الفراعنة، حيث عرف بهدوئه وفنياته كيف يحبط معنويات أشبال شحاتة من خلال مراوغاته القاتلة التي جعلتهم في كل مرة يحاولون نزع الكرة منه يرتكبون الخطأ تلو الآخر، وهو ما يعني أنه لعب دورا بارزا للعودة إلى المونديال. الغلطة التي أوصلته إلى الورطة يعد مراد لاعبا مهاريا ومبدعا فوق الميدان، وهذا ما يجعله عرضة لخشونة مختلف الخصوم، ما يعني أنه عرضة للإصابات أكثر من غيره، وقد لاقى في التصفيات الإفريقية الأخيرة ما لم يلاقيه طيلة مشواره السابق، وكان عليه أن يواظب على العلاج وأن يضحي بنهائيات كأس إفريقيا للأمم، لكن الأجواء الرائعة الموجودة بالمنتخب الوطني جعلته يضحي ويتغاضى الطاقم الطبي للخضر عن هذا الأمر، نظرا لوزن اللاعب، فكانت الكارثة عدم قدرته على المشاركة في المونديال. المونديال ضاع لكن التحديات تبقى قائمة ضاع حلم المونديال بالنسبة لمراد، وهو قرار تأسف له الجميع، لكن في المقابل فالكل مقتنع بأن هذا اللاعب الذي يبلغ من العمر 26 سنة فقط ما يزال المنتخب الوطني بحاجة إليه في قادم التحديات، ووقتها سيكون مغني والخضر أكثر خبرة وحنكة وبالإمكان تعويض هذه النكبة بأفراح أخرى، لا سيما وأن نهائيات كأس إفريقيا ستلعب عامي 2012 و2013 لكن الحلم الأكبر سيكون التأهل لمونديال البرازيل 2014. سعدان يذرف الدموع ويتمنى له الرجوع كما كان مبرمجا، فقد عقد الناخب الوطني رابح سعدان صبيحة البارحة ندوة صحفية بمقر إقامة الخضر بكرانس مونتانا "فندق غولف أند بالاس"، بحضور أمير خط الوسط مراد مغني الذي بمجرد أن بدأ يتحدث عنه حتى ذرف الشيخ دموع الحسرة على خسارته لهذا اللاعب الكبير. وقال سعدان أن الطاقمين الطبي والفني بذلا جهودا كبيرة حتى يشارك مغني في المونديال، لكن كل المحاولات باءت بالفشل، وتمنى عودته السريعة لصفوف المنتخب الذي لن تتوقف مسيرته كما قال بعد المونديال. مغني راض بالقضاء والقدر إذا كان سعدان قد بدا مهموما وحزينا البارحة خلال الندوة الصحفية، فإن مغني كان شجاعا وباسم الثغر كالملاك أو كالطفل، مبديا رضاه بالقضاء والقدر الذي حرمه من المونديال الإفريقي. لكن بإمكانه أن يلعب مونديال 2014 بالبرازيل. وأكد بأنه بعد ضياع حلم جنوب إفريقيا سيتفرغ للتخلص من الإصابة اللعينة التي لحقت به، وأنه سيجري العملية الجراحية ويتطلع لعودة أقوى مع المنتخب بعد المونديال.