لقد تلقى نبينا محمد الوحي، وهو تكريم إلهي..”اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ” (الأنعام 124)، لكن هذا التلقي صحبه عمل آخر له وزنه الضخم، كيف يُغير بهذا الوحي أمة كبيرة ويخرجها من الظلمات إلى النور؟ كيف يجعل هذا الوحي وقوداً لانطلاقة كبيرة تقفز بها الأمة إلى الأمام؟ كيف ينفي بهذا الوحي رذائل ويثبت فضائل؟ كيف يغير طباع أمة مردت على المغامرات والمناظرات والمشاجرات، ويجعل منها أمة متآخية تخشع في المحاريب وتتراص في ميادين الجهاد؟ كيف؟ كيف؟ إن هذه الأمة ستزاحم غيرها على صعيد الأرض، وهي لن تغلب وتسبق دون مؤهلات! والأمم لا تتقدم بالأماني الجوفاء.. أسباب الغلب كثيرة: فكر دون فكر، خلق دون خلق، إنتاج دون إنتاج، شعب أنشط من شعب، بلد أنظف من بلد.. إلخ. وظيفة محمد الضخمة أو معجزته الجديرة بالدرس كيف صبَّ العرب في قالبهم الجديد؟ كيف أمكنهم من هذه الحضارة الباذخة؟ كيف قهر بهم إمبراطوريات رسخت على الثرى دهراً، وامتد الباطل بها طولاً وعرضاً؟. ما كان أحد ليغيظ الكفار، ويذل الإستعمار على هذا النحو الذي فعله صاحب الرسالة العظمى، لكنه الوحي الأعلى استضاء به الإنسان، ثم أضاء به من حوله ومن بلغه!. عيب المسلمين الآن أنهم لم يعرفوا القرآن ثقافة تفيق الألباب، وخبرة بالأنفس والآفاق، إنما ترديد ألفاظ وأنغام وحسب.