في هذا الحوار الذي خصّ به المخرج والسيناريست التونسي عبد اللطيف بن عمّار”الفجر، بعد العرض الأول للفيلم في افتتاح فعاليات الطبعة الرابعة والستين لمهرجان قرطاج الدولي بتونس، حاول المخرج الحديث عن الأبعاد الحقيقية التي جاء من ورائها هذا الفيلم الذي يرى أنه يسلط الضوء على حقائق تاريخية عاشتها تونسوالجزائر باعتبارهما دولتين شقيقتين في النضال والمصير المشترك.. أرفع ”النخيل الجريح” لكل ضحايا تزييف التاريخ تحتفي تونس هذه السنة، بسنة السينما، ويحتفي بك اليوم جمهور مهرجان قرطاج الدولي، بعملك السينمائي الجديد الذي يعد ثمرة تعاون بين السينما الجزائريةوالتونسية. ما هو شعورك وأنت ترى هذه الجماهير التي حضرت العرض، وهي تتفاعل مع لقطات الفيلم وصفقت لك كثيراً عند نهاية عرض فيلمك الموسوم ب”شامة النخيل الجريح”؟ أي شخص في مكاني سيكون مغموراً بالسعادة، خاصة أنّ الإحتفاء بالعرض الأول لهذا العمل السينمائي، جاء بمناسبة احتفاء تونس بالسينما، وفي مهرجان هو الأعرق من نوعه، سواء في تونس أو في منطقة المغرب العربي أو مشرقه. وهذا التفاعل الذي لمسته من خلال تصفيقاتهم بين لقطة وأخرى طوال أحداث العمل، زادني شعورا بالسعادة لكون الفيلم لامس أحاسيس المتلقي، وهذا هو الأهم عند تقديم أي عمل فني أو سينمائي. وماذا يعني لك افتتاح الفيلم في مهرجان بحجم مهرجان قرطاج الدولي؟ شرف لكل سينمائي أن يفتتح مهرجان قرطاج، وهذا يعطي قيمة أكثر للسينمائي وللعمل نفسه، خاصة أنّ مهرجان قرطاج لا يتم عرض الأعمال الفنية فيه إلا تلك التي تكون على مستوى كبير من الأهمية. نعود إلى الفيلم، ماذا أراد المخرج والسيناريست عبد اللطيف بن عمّار أنّ يقدم لجمهور المغرب العربي والعالم ككل من خلال أحداث هذا العمل؟ ما أردت أن أنقله للمتلقي هو أن أدعو الشباب العربي، سواء في تونس أو في الجزائر، أو في أي بلد عربي آخر، كان في الماضي القريب تحت وطأة الإستعمار، إلى ضرورة وعيهم بحقيقة تاريخهم وتاريخ نضالهم ضد المستعمر. أردت أيضا أنّ أوجه رسالتي إلى كل المثقفين العرب، أو بمعنى آخر إلى الشاهدين على مرحلة من مراحل تاريخ أمتنا، أن يقدموا للجيل الحالي والجيل الذي سيأتي بعدهم الوقائع الحقيقية للتاريخ، الوقائع البعيدة عن تزييف الحقائق.. لأنني أعتقد أنه مهما زور هؤلاء هذا التاريخ سيأتي يوم وتنكشف فيه حقيقة هؤلاء المزيفين، وأعتقد أنك شاهدت أحداث هذا الفيلم وكيف وضع القدر بعد 30 سنة من حدوث معركة بنزرت، بطلة الفيلم أمام حقيقة اغتيال والدها الشهيد في هذه المعركة التي دارت أحداثها سنة 1961، بمدينة بنزرتالتونسية. أردت أيضا أن أقول للمؤرخين الرسميين الذين زيفوا هذا التاريخ، إنّ المنتصرين وحدهم الذين كتبوا التاريخ، ولكن على حساب من انتصر هؤلاء؟ إن كان الشهداء قد انتصروا على المستعمر، ومقابرنا شاهدة على ما ضحوا به من أجل هذه الأمة، فهم انتصروا على من ؟؟ أردت أن أسلط الضوء في هذا العمل على أشياء كثيرة متعلقة كلها بالتاريخ، كأن أطرح تساؤلاً.. هو هل يحق لكتّاب التاريخ أو الشهود على أحداث تاريخية أن يزيفوا حقائقه وفق رغباتهم الشخصية؟؟، أو بمعنى آخر أكثر دقة.. هل كل ما كتبه مؤرخو هذه الأمة باعتبارهم كانوا شهودا على أحداث تلك الحروب هو حقيقة غير قابلة للتزييف؟ باختصار شديد.. ما أردته هو ما تريدينه أنت، وما يريده كل جزائري حول حقائق تاريخية لنضال شعب امتد لسنوات طويلة جداً.. وهو الحقيقة ليس إلا. قصة الفيلم مليئة بالترميز وقريبة من المباشرة في الآن ذاته، هل يمكن أن تقول لنا بصراحة، لمن وجه بن عمار رسائله المشفّرة والمباشرة أيضا ؟ أوجهها لكل من شوه التاريخ، وكل من يحاول اليوم أن يقدم تزييفا بعد آخر لحقيقة نضال أجدادنا.. أوجهها أيضا لكل من عايش تلك الأحداث ويعرف بعض الحقائق ويرى بأنّ لحظة تأريخها اليوم فيها الكثير من اللغط، أن يقول كلمته وأن لا يقتل الذين ضحوا بأنفسهم من أجلنا مرتين.. أوجه هذا الفيلم أيضا إلى المسؤولين عندنا وضرورة محاسبتهم لهؤلاء الذين نعتبرهم نخبة المجتمع، وفي الحقيقة هم من أداروا ظهرهم لمساعدة المناضلين الحقيقيين إبان الحرب، تماما كما حدث مع والد بطلة الفيلم”نبيلة”، التي اكتشفت في الأخير أنّ أقرب صديق لوالدها هو الذي رفض أن يساعده وقت الحاجة إليه، وبعد انتهاء الحرب، أصبح رمزاً من رموز المقاومة والنضال، في حين هو مجرد خائن ليس إلا.. وهذا ما تكتشفه البطلة بعد بحث طويل في أدق التفاصيل خاصة تلك التفاصيل الصغيرة المتعلقة بمعركة بنزرت. للأسف الجيل الحالي لا يملك ولا دليلا واحدا على كل الحقائق والتصريحات التي يدلي بها هؤلاء الشهود على التاريخ، أنا اعتقد أنه من حقنا أن نعرف وأن نعي ما حدث فعلاً في تلك الحرب، وغيرها من الحروب التي راح في سبيلها مئات الشهداء. أتعتقد أنّ البحث عن تلك الحقائق التاريخية التي من الصعب الحصول عليها هي من مهمة السينمائي أم من مهمة المثقف، أم من بالتحديد؟ هي مهمة الجميع.. مهمة السينمائي، والباحث، والمؤرخ، والمجاهد، وكل من فقد عزيزاً عليه في هذه الحروب الدامية التي خاضتها المجتمعات العربية ضد المستعمر الغاشم. ماذا يعني لك التاريخ..؟ التاريخ علم.. وعلى الكتب أن تحفظ هذا العلم وتحتويه. كيف وقع اختيارك على طاقم عمل الفيلم، خاصة الممثلين الجزائريين؟ حقيقة أنا اخترت بصدق طاقم العمل، ونجاح الفيلم اليوم هو ثمرة تعاون بين الجميع.. أما فيما يخض الممثلين الجزائريين فقد كانت لي فرصة التعرف عليهم عن قرب من خلال بعض الأعمال الفنية التي شاهدتها لهؤلاء، وذلك من خلال مشاركتي في فعاليات مهرجان الفيلم العربي بمدينة وهرانبالجزائر، وقد أعجبت حقيقة بالكم الكبير من الطاقات الشبانية التي يحتويها المشهد السينمائي الجزائري. بعد مرور حوالي 44 سنة، على آخر تعاون سينمائي جمعك مع سينمائيين جزائريين، ها أنت تعود لتقدم تعاون آخر يضاف إلى التعاون الأول. كيف يقدم بن عمّار اليوم هذه التجربة المشتركة بين السينما الجزائرية والسينما التونسية؟ هي تجربة جديرة بالإحترام، وآمل أن لا ننتظر 44 سنة أخرى حتى نرى عملا سينمائيا مشتركا آخر بيننا وبين الأشقاء الجزائريين. ولماذا كان الإنتظار 44 سنة حتى اجتمعت السينما التونسية بالسينما الجزائرية مرة أخرى؟ يبقى دائما هاجس السينمائيين في بلدان المغرب العربي هو نقص الدعم المادي، رغم أنّ كل الأعمال السينمائية التي نقدمها في بلدان المغرب العربي هي على مستوى عال من الأهمية، وتتناول مواضيع وقضايا حساسة جداً عكس ما تنتجه السينما العربية الأخرى، قصص حب وغرام ولا أعرف ماذا أيضا، لكن تلك الأعمال تجد الدعم الكافي من مؤسسات حكومية وغير حكومية، في حين أنّ هذا العمل الذي كتب منذ ما يزيد عن 10 سنوات ظلّ حبيس الأدراج حتى وجدنا الدعم الكافي الذي كان بين وزارة الثقافة الجزائرية ووزارة الثقافة والتراث التونسية والتلفزة التونسية، فيم كنا نأمل أن يكون التلفزيون الجزائري شريكا معنا في هذا الفيلم القيم.. ولكن. متى يتم العرض الأول للفيلم في الجزائر؟ مبدئيا بعد انقضاء شهر رمضان القادم، وقد اخترنا شهر أكتوبر بحول الله. على كل حال المنتجة المتألقة نادية شرابي هي المتابعة لهذا الموضوع وآمل أن نلتقي في أقرب فرصة بالجزائر العزيزة على قلبي كثيراً، وأحتفظ بذكريات جميلة هناك، وتربطنا الكثير من الصداقات مع سينمائيين ومبدعين جزائريين. الرسالة أوجهها لكل من شوه التاريخ، وكل من يحاول اليوم أن يقدم تزييفا بعد آخر لحقيقة نضال أجدادنا.. أوجهها أيضا لكل من يتستّر على الحقائق من أجل أن يقول كلمته وأن لا يقتل الذين ضحوا بأنفسهم من أجلنا مرتين..أوجهها لهؤلاء الذين نعتبرهم نخبة المجتمع، في حين هم مجرد خونة ليس إلا.. هذا العمل، ظلّ حبيس الأدراج منذ ما يزيد عن 10 سنوات، حتى وجدنا الدعم الكافي من وزارتي الثقافة الجزائريةوالتونسية والتلفزة التونسية أيضا، فيم كنا نأمل أن يكون التلفزيون الجزائري شريكا معنا.. ولكن.