تعالت الأصوات في الآونة الأخيرة حول الحديث عن المفاوضات المباشرة والمفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين حتى وصلت إلى الحد الذي دفع العديد من الشخصيات الفاعلة على الساحة العربية مثل فخامة الرئيس، محمد حسني مبارك، ومعالي الأمين العام عمرو موسى ووزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إلى التلويح بورقة مجلس الأمن وإمكانية التوجه إلى مجلس الأمن لإعلان الدولة الفلسطينية وفق القرار رقم 1515. ما هو القرار رقم 1515؟ نص قرار مجلس الأمن رقم 1515 إذ يشير إلى جميع قراراته السابقة ذات الصلة، ولاسيما القرارات 242 (1967) و338 (1973) و1397 (2002)، ومبادئ مدريد، وإذ يعرب عن بالغ قلقه إزاء استمرار الأحداث المأساوية وأعمال العنف في الشرق الأوسط، وإذ يعيد تكرار المطالبة بالوقف الفوري لجميع أعمال العنف، بما في ذلك جميع أعمال الإرهاب والاستفزاز والتحريض والتدمير، وإذ يؤكد من جديد على رؤيته التي تتوخى منطقة تعيش فيها دولتان، إسرائيل وفلسطين، جنبا إلى جنب ضمن حدود آمنة ومعترف بها، وإذ يشدد على الحاجة لتحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط، بما في ذلك المساران الإسرائيلي السوري والإسرائيلي اللبناني، وإذ يرحب بالمساعي الدبلوماسية التي تبذلها الهيئة الرباعية الدولية وغيرها من الجهات، ويشجعها عليها، 1. يؤيد خريطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية، القائمة على الأداء والمفضية إلى حل دائم للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني يقوم على أساس وجود دولتين. 2. يهيب بالأطراف أن تفي بالتزاماتها الواردة في خريطة الطريق بالتعاون مع الهيئة الرباعية، وأن تعمل على تحقيق الرؤية المتمثلة في وجود دولتين تعيشان جبناً إلى جنب في سلام وأمن. 3. يقرر أن يبقي المسألة قيد نظره. هذا تحرك في الاتجاه الصحيح ولو أنه يأتي متأخرا جدا ولكن أن نبدأ الآن خير من أن لا نبدأ أبدا. وقبل الخوض في تفاصيل كيفية التوجه إلى مجلس الأمن، لابد لنا من تحديد الهدف الرئيس المطلوب تحقيقه. هدفنا نحن الفلسطينيون واضع للعالم بأسرة وهو إحقاق الحقوق المشروعة لشعبنا والتي ناضلنا ومازلنا نناضل من أجلها والتي تتمثل في ثلاثة أهداف محددة: 1- إنهاء الاحتلال عن الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بالقوة من قبل إسرائيل كنتيجة لحرب العام 1967. 2- الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية التي شرد منها بالقوة نتيجة لحرب العام 1948. 3- إعادة البت في كيفية إعادة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني إلى الجهات الدولية المختصة. ومن أجل الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف، لابد من: أولا: تجريد إسرائيل من شرعيتها وذلك بالعمل على تشكيل محكمة خاصة لمجرمي الحرب الإسرائيليين على غرار ما فعلته الدول الإفريقية تجاه حكومة جنوب إفريقيا في العام 1971 حيث شكلت بداية فرض عقوبات على النظام في جنوب إفريقيا والتي أدت في نهاية المطاف إلى نهاية النظام العنصري في جنوب إفريقيا برمته. ثانيا: التوجه إلى محكمة العدل الدولية بهدف استصدار رأي استشاري بشأن الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية الواقعة تحت الانتداب البريطاني قبل العام 1948 استنادا إلى الرأي الاستشاري الذي صدر عن المحكمة في 9 جويلية 2004 والذي أوضع بما لا يدع مجالا للشك بأن كل الأعمال التي قامت بها إسرائيل من طرف واحد منذ العام 1947 وصدور القرار رقم 181 حتى الآن هي إجراءات باطلة وفي هذا التوصيف لمحكمة العدل الدولية إشارة واضحة إلى بطلان إعلان الدولة العبرية في عام 1948 وفق القرار رقم 181 وذلك لعدم إنفاذ الشق الثاني من القرار والمتمثل بوجوب وجود دولة فلسطينية تقام على الأراضي المخصصة لها وفق قرار 181 المعروف بقرار التقسيم. هذا ما جاء في الفقرة 162 للرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية وهذا هو النص : - 162 وقد توصلت المحكمة إلى نتيجة مفادها أن بناء إسرائيل الجدار في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة يتعارض مع القانون الدولي، وأوضحت التبعات القانونية التي يمكن أن تنتج عنه عدم قانونية بناء الجدار. وترى المحكمة أنها ملزمة بأن تضيف أن بناء هذا الجدار ينبغي وضعه في سياق أكثر عمومية. ومنذ عام 1947 وهي السنة التي تم فيها تبني قرار الجمعية العامة رقم 181 (2) وإنهاء الانتداب في فلسطين، توالت النزاعات المسلحة وأعمال العنف العشوائي والإجراءات القمعية في الأرض التي كانت خاضعة للانتداب. وتؤكد المحكمة أن كلا من إسرائيل وفلسطين ملتزمان تماما بالعمل بموجب قواعد القانون الإنساني الدولي الذي تعد حماية أرواح المدنيين من أهدافه الأولى. وقد تم القيام بإجراءات غير قانونية واتخاذ قرارات أحادية في جميع الجوانب. في حين ترى المحكمة أن هذا الوضع المأساوي يمكن وضع حد له فقط من خلال تنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بحسن نية، ولاسيما القرار 242 (1967) والقرار 338 (1973). وتمثل "خريطة الطريق" التي أجازها مجلس الأمن بقراره رقم 1515 (2003) آخر المحاولات الرامية لبدء مفاوضات من أجل هذه الغاية. وترى المحكمة أن من واجبها أن تلفت انتباه الجمعية العامة التي تم إعداد هذا الرأي الاستشاري لها إلى الحاجة لتشجيع هذه الجهود لكي يتحقق بأسرع ما يمكن وعلى أساس القانون الدولي، حل عن طريق المفاوضات للمشكلات العالقة وإنشاء دولة فلسطينية تقوم جنبا إلى جنب مع إسرائيل وجيرانها الآخرين مع ضمان السلام والأمن لجميع دول المنطقة. وهنا نرى كيف أن المحكمة ركزت على ثلاثة أبعاد هامة: البعد الأول : إعادة ملف القضية إلى الأصول القانونية التي استندت إليها إسرائيل للحصول على الاعتراف الدولي بوجودها كدولة مستقلة والمتمثلة في القرار 181 والذي نص على وجوب وجود دولتين وفق التقسيمة الجغرافية موضع القرار. البعد الثاني: خاطبت المحكمة كل من إسرائيل وفلسطين على قدم المساواة ولم تذكر دولة إسرائيل لأنها لا تعترف بها كدولة لأن الأساس القانوني للاعتراف بها مرهون بتطبيق كامل القرار 181. البعد الثالث: الاستشهاد بقرار مجلس الأمن رقم 1515 في إشارة واضحة إلى وجوب التوصل إلى حل يؤدي إلى قيام دولتين مستقلتين لكلا الشعبين. ثالثا : تشكيل تحالف يضم العالم العربي والإسلامي ودول عدم الانحياز والعمل على استصدار قرار بتشكيل محكمة خاصة لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين على غرار المحاكم الخاصة التي شكلت لرواندا ويوغوسلافيا السابقة وسيراليون، لما لهذه الخطوة من أهمية قصوى لفضح الجرائم الإسرائيلية وتوسيع قاعدة المساندين للقضية الفلسطينية وضمان تأييد الدول لأي قرارات قد تصدر لاحقا عن مجلس الأمن أو الجمعية العمومية للأمم المتحدة لصالح الحق الفلسطيني.. التوجه إلى مجلس الأمن والمطالبة بإلغاء عضوية إسرائيل في الأممالمتحدة وذلك لعدم وفائها بشروط قبول عضويتها في العام 1949؛ حيث استندت إسرائيل عندما توجهت إلى مجلس الأمن بطلب قبول عضويتها في الأممالمتحدة إلى قبولها بالقرار رقم 181 ومن ثم لم تقم بتنفيذ ما ورد في هذا القرار حتى الآن. وعليه، يجب إعادة النظر في قرار الجمعية العمومية رقم 69 للعام 1949 بشأن قبول عضوية إسرائيل في الأممالمتحدة. كيف حصلت إسرائيل على الاعتراف الدولي من خلال القرار 69 للعام 1949 زورا وبهتانا: القصة الكاملة ضمت المادة الرابعة من ميثاق الأممالمتحدة أحكام العضوية اللاحقة أو العضوية بالانضمام في هذه المنظمة الدولية على النحو التالي: 1- العضوية في الأممالمتحدة مباحة لجميع الدول الأخرى المحبة للسلام التي تأخذ نفسها بالالتزامات التي ينظمها الميثاق والتي ترى الهيئة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات وراغبة فيها. 2- قبول أي دولة من هذه الدول في عضوية الأممالمتحدة يتم بقرار من الجمعية العامة بناء على توصية مجلس الأمن. وقد فسرت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في 28/5/1948 نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة السالفة الذكر وبينت أن الجهة التي تتقدم للعضوية يجب أن تتوفر فيها الشروط التالية: 1) أن تكون دولة. 2) أن تكون محبة للسلام. 3) أن تقبل التزامات الميثاق. 4) أن تكون قادرة على تنفيذ تلك الالتزامات. 5) أن تكون راغبة في تنفيذ تلك الالتزامات. تقدمت الحكومة المؤقتة (لإسرائيل) في نهاية العام 1948 بطلب انضمامها إلى الأممالمتحدة بهدف إسباغ الشرعية الدولية على هذا الكيان الجديد حيث أحال مجلس الأمن طلب القبول إلى لجنة قبول الأعضاء الجدد والتي لم تفلح بجمع المعلومات التي تخولها اتخاذ قرار البت في المسألة. وعلى الرغم من قرار اللجنة عدم تمكنها من اتخاذ قرار، مضى مجلس الأمن في الإجراءات وقرر التصويت على القبول لكن المشروع فشل في الحصول على الأصوات السبعة المطلوبة وتم رفض مشروع القرار. عاودت إسرائيل الكرة مرة أخرى وعرض المشروع على مجلس الأمن بتاريخ 04/03/1949 وعند إجراء التصويت حصل المشروع على موافقة 9 أعضاء وصدر القرار رقم 69 والذي نص على الآتي: إن مجلس الأمن وقد تلقى طلب إسرائيل الدخول في عضوية الأممالمتحدة ونظر فيه، يقرر أن إسرائيل، في رأيه، دولة محبة للسلام وقادرة وعازمة على تنفيذ الالتزامات التي يتضمنها الميثاق. وبناء على ذلك يوصي الجمعية العامة بقبول إسرائيل لعضوية الأممالمتحدة. حيث اتخذت الجمعية العامة بتاريخ 01/05/1949 قرارها رقم 273(3) والذي نص على الآتي: إن الجمعية العامة، وقد تسلمت تقرير مجلس الأمن بشأن طلب إسرائيل الدخول في عضوية الأممالمتحدة وإذ تلاحظ أن إسرائيل، بحسب تقدير مجلس الأمن، دولة محبة للسلام وقادرة على تحمل الالتزامات الواردة في الميثاق وراغبة في ذلك وإذ تلاحظ أن مجلس الأمن قد أوصى الجمعية العامة بقبول إسرائيل عضوا في الأممالمتحدة وإذ تلاحظ أيضا أن تصريح دولة إسرائيل بأنها تقبل، دون تحفظ، الالتزامات الواردة في ميثاق الأممالمتحدة منذ اليوم الأول الذي تصبح فيه عضوا في الأممالمتحدة، وإذ تذكر قراريها الصادرين في 29 تشرين الثاني 1947 وفي 11 كانون الأول 1948، وإذ تأخذ علما بالتصريحات والإيضاحات التي صدرت عن ممثل حكومة إسرائيل أمام اللجنة السياسية الخاصة فيما يتعلق بتطبيق القرارات المذكورة.. فإن الجمعية العامة، عملا بتأدية وظائفها المنصوص عليها في المادة 4 من الميثاق والقاعدة 125 من قواعد الإجراءات: 1- تقرر أن إسرائيل دولة محبة للسلام، راض بالالتزامات الواردة في الميثاق، قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات وراغبة في ذلك. وتقرر أن تقبل إسرائيل عضوا في الأممالمتحدة. وهذا ما تم فعلا وأصبحت إسرائيل العضو رقم 59 في الأممالمتحدة. وعلى ضوء ما تقدم نرى أنه ليس من المستحيل نزع الشرعية الدولية عن إسرائيل وبالإمكان تجميد أو إلغاء عضويتها في الأممالمتحدة وإجبارها على الانصياع للقوانين والأعراف الدولية والعودة بالملف الفلسطيني إلى جذور المشكلة التي هي أساس الصراع الذي حدا بالأممالمتحدة إلى إصدار القرار رقم 181 والذي يجب علينا التمسك به وبكل قوة والذي يكمن في تطبيقه الحل النهائي لجميع الملفات المطروحة من الحدود واللاجئين والمستوطنات والمياه والقدس. بقلم/ د. سلمان الحسنات