لماذا كل هذا التركيز على منطقة القبائل؟ ولماذا كل المصائب تستهدف منطقة القبائل قبل غيرها؟ فبعد الخلط في الهوية وإشعال نار الفتنة بين عرب وأمازيغ في الجزائر، واستعمال القبائل كضحايا الحكم في الجزائر، وأن هويتهم مقهورة ولغتهم محاصرة وحقوقهم مهضومة، الفتنة التي أشعلت المنطقة لعدة سنوات وراح ضحيتها العشرات من الشباب في المنطقة، ها هي اليوم القبائل عرضة لجرثومة أخرى، جرثومة التبشير بكل طوائفه، فرغم فشل الحركة التبشيرية التي قادها لافيجري بداية الفترة الاستعمارية في المنطقة محاولا جعلها لبنان شمال إفريقيا لتكون نقطة انطلاق لبعث الماضي المسيحي للمنطقة، ومحاولة استرجاع الإرث الروماني للمنطقة، لأن القبائل أثبتوا وطوال سنوات الاستعمار تمسكهم بقيم الإسلام، ولم تنجح الحركة التبشيرية الاستعمارية إلا في احتواء عدد محدود من الأيتام، ها هي الكنيسة الإنجيلية ذات الميول الأمريكية تحاول بعثرة الأوراق بمنطقة القبائل وخلطها باللعب على وتر الهوية الدينية، محاولة شراء الشباب بالمال، مستغلة ظروفهم المأساوية، والغل الذي نشرته في نفوسهم الحركات المتطرفة تجاه نظام الحكم، كحركة فرحات مهني، وكل تجار السياسة المستثمرين في بؤس سكان المنطقة، وفي خصوصيتهم الثقافية. الخوف من هذه الحركات ليس على الإسلام في حد ذاته، بل الخوف من الأساليب التي تمارسها هذه الكنيسة وما تخفيه من أهداف استراتيجية تتخفى وراء العمل الإنساني والتبشيري، فليس اعتباطا أن تجلب المبالغ الخيالية من العملة الصعبة من أجل خدمة "الإيمان"، إن لم يكن مخططا لزعزعة استقرار البلاد بخلق أقلية دينية مضطهدة ثم البحث عن التدخل لحمايتها، وهو السيناريو المعتمد من طرف حماة الديمقراطية على طريقة بوش. تحضرني هنا قصة طالب من منطقة القبائل اشتهر منذ فترة باتباعه للدين المسيحي، وكان يحاول التأثير على زملائه في الجامعة محاولا تنصيرهم، وبعدها بفترة توفي هذا الشاب، ولما حاول أهله دفنه في مقبرة المسلمين، رفض زملاؤه ذلك، وقالوا إنه مسيحي، لا يمكن أن يدفن مع المسلمين، فقال والده إن ابنه لم يتخل يوما عن الإسلام، أما تنصره فلم يكن إلا للحصول على المال، ولم يفصل في النزاع إلا أمام مسجد القرية الذي اعتبر الفقيد مسلما ومات على دين الإسلام وسمح بدفنه بمقبرة المسلمين، لكن في الظلام وبعيدا عن أعين السكان الذين عارضوا دفنه بين موتاهم! هذه حقيقة التنصير في منطقة القبائل، كل شيء مباح من أجل كسب المال.