استطاعت كتب التاريخ، وبالتحديد تلك التي تناولت مسار الثورة التحريرية المباركة ورجالها، أن تفرض نفسها خلال معرض الجزائر الدولي للكتاب في دورته ال15، حيث استقطبت تلك الأعمال العديد من القراء والباحثين والطلبة الجامعيين على مدار الأيام الفائتة من المعرض، في انتظار أن تستقطب فئات أخرى في المستقبل القريب الناشرون يؤكدون أهمية إصدار الأعمال التاريخية في فترة تشهد رحيل صانعي الثورة وهو ما يترجم لهفة النخبة والجيل الجديد لمعرفة تاريخه الكبير، ومن ثمة تمسكه بقيمه وروحه. رغم أن الأعمال التي تناولت تاريخ الثورة التحريرية المباركة ليست بالمستوى المطلوب، نظرا لكون المستعمر الفرنسي احتل الجزائر لأزيد من قرن و32 سنة، وشهدت هذه الفترة قيام عدة ثورات، شارك فيها العديد من أبناء الجزائر راح منهم ما يزيد على مليون ونصف المليون شهيد فداء لهذا الوطن، إلا أنها أصبحت على قلتها تستقطب عددا كبيرا من المهتمين بنضال هذه الأمة وبخاصة فئة الباحثين، أساتذة الجامعات، وبعض رجال تلك الثورات، من مجاهدين وأبناء شهداء وأحفادهم، وهذا ما وقفت عليه ”الفجر” منذ الأيام الأولى لصالون الجزائر الدولي للكتاب في دورته الحالية، إذ يكاد لا يخلو أي جناح من أجنحة المعرض من هذه الأعمال التي تناولت مجريات وأحداث الحركة الوطنية، وهي الأجنحة التي استقطبت العديد من الزوار الذين جاؤوا إلى صالون الكتاب لاختيار كتب أخرى غير كتب الدين والكتب شبه المدرسية. وفي حديث لنا مع بعض دور النشر التي تطبع وتوزع هذه الأعمال، وهو الرهان الذي يرغب الناشر الوطني وحتى الأجنبي في كسبه من خلال إصداره لهذه الأعمال التاريخية، صرح لنا مصطفى قلاب ذبيح، مدير دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع بالعاصمة أن الدار أصدرت ما يزيد على 45 كتابا يتناول مسار الثورة التحريرية المباركة ورجالاتها، ككتاب ”مواقف وشهادات عن الثورة الجزائرية”، للمجاهد أرزقي باسطا، الذي صدر مؤخرا، ويلقى رواجا كبيرا من قبل المهتمين وخاصة الأسرة الثورية، بالإضافة إلى كتاب ”الرئيس محمد بوضياف على موعد مع الموت”، ”مذكرات الرائد مصطفى مراردة بن النوي”، بالإضافة إلى سلسلة من الأعمال التاريخية التي تهتم الدار بإصدارها بين الفترة والأخرى. وفي هذا الصدد، يضيف مصطفى غلاب، أنهم حريصون جدا على طبع الأعمال الثورية، خاصة وأن الذين عايشوا مسار هذه الفترة المهمة في تاريخ الجزائر لم يبق منهم إلا القليل ويعدون على قيد الحياة، لذلك ورغم عجز هؤلاء عن كتابة مذكراتهم ورؤيتهم للأحداث الثورية المهمة التي عايشوها، إلا أنهم يستعينون في الكثير من المرات بإعلاميين ومؤرخين ليتحدثوا عن تلك الأيام. هذا، ويعود المتحدث إلى التنويه بأن قلة قليلة من الجيل الحالي من شباب الجزائر الذين يهتمون بمعرفة هذه الحقائق التاريخية المهمة، رغم أنها تشكل الحدث الأكبر في المعرض من خلال إقبال الزوار على اقتنائها. وغير بعيد عن دار الهدى، تعرض دار القصبة سلسلة من الأعمال التاريخية المهمة التي استطاعت أن تفرض نفسها على القارئ، حيث يتم عرض عدد معتبر من كتب التاريخ ورجال الثورة، ويتم بشكل شبه يومي بيع بالتوقيع لمعدي تلك الكتب في استقطاب منهم لأكبر عدد ممكن من الزوار وهو ما يحدث فعليا، وفي دردشة قصيرة مع القائمين على جناح الدار بصالون الجزائر الدولي للكتاب، حيث نجد أن هناك عددا معتبرا من القراء الذين يحرصون على اقتناء المذكرات التي تتناول الثورة التحريرية المباركة سواء من خلال رجال الثورة الجزائريين أو من خلال بعض الفرنسيين الذين تطرقوا إليها بموضوعية. بدورها منشورات دار الحبر، تعرض العديد من الكتب التاريخية التي وجدت نهما لدى المهتم بالثورة الجزائرية، ومن بين تلك الأعمال التي اقتناها زوار ”سيلا 15”، نجد كتاب ”المستوطنون الأوروبيون والثورة الجزائرية .. من 1954 إلى 1962”، للدكتورة حسينة حمامد، كتاب ”شخصيات نموذجية في المقاومة والإصلاح والثورة التحريرية”، لمحمد لحسن زغيدي وغيرها من الأعمال التي تسلط الضوء على نضال هذه الثورة. ولعل ما تعرضه دار نشر الشهاب بجناحها من كتب وسيرة ذاتية لعدد من المجاهدين والثوريين والشهادات الحية لهؤلاء ومن عايشوا الثورة التحريرية المباركة، يؤكد للمتتبع نوعية الكتب التي أصبح القارئ الجزائري يبحث عنها بكثرة ويقتنيها إن توفرت لديه، حيث تشكل أعمال المؤرخ الفرنسي الشهير، بنجامين ستورا، الإقبال الأول على هذه النوعية من الكتب، خاصة كتابة الموسوم ب ”كتابات نوفمبر”، الذي نقل فيه المؤرخ أشهر الكتب والنصوص التي كتبت عن تاريخ الثورة التحريرية المباركة، منها روايات لعناصر في جيش الاحتلال وكتابات لنساء أقدام سوداء أصابهن الحنين إلى فترة الشباب، ومذكرات مجاهدين جزائريين، بالإضافة إلى نصوص كتبها شباب ينتمون إلى الهجرة الجزائرية ويعانون من ألم الهوية المشتتة. من جهتها، يعرض جناح المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار عددا معتبرا من الكتب التي أقبل عليها الزوار بكثرة، كما صرّح لنا أحمد شربيتي، الذي قال بأن المؤسسة تهتم بكل الأعمال الجادة التي يمكنها أن تتناول بمصداقية كبيرة تاريخ الثورة التحريرية، حيث أصدرت المؤسسة العديد من الأعمال التي تتطرق إلى الثورة الجزائرية جملة وتفصيلا، وبخاصة ثورة الفاتح من نوفمبر لكتاب جزائريين وآخرين فرنسيين ساندوا الثورة الجزائرية أمثال جون بول سارتر، جاك فرجاس، ومن بين تلك الكتب التي استقطبت اهتمام القارئ الجزائري يقول المتحدث أن هناك عددا كبيرا من تلك الأعمال منها كتاب ”محاكمة الاستعمار”، ”الثورة الجزائرية عبر النصوص”، ”الدبلوماسية الجزائرية بين الأمس واليوم”، ”موقف الرأي العام الفرنسي والثورة الجزائرية”، وغيرها من الأعمال التاريخية الهامة. ويجمع عدد من المهتمين بهذا النوع من الإصدارات على أن الذاكرة الوطنية لم تعد تزخر بالكثير من المؤرخين والثوريين الذين باستطاعتهم أن يتركوا للأجيال القادمة بعضا مما عايشه أجدادنا نظرا لعدة اعتبارات، بينها الصمت المطبق الذي ينتهجه بعض المجاهدين تجاه الثورة ورجالها، إلا أن السنوات القليلة الماضية أسفرت عن ميلاد عدد معتبر من الإصدارات التي تراهن عليها بعض دولار النشر الوطنية في المحافظة على الذاكرة الثورية لهذه الأمة.