لا توجد صدمة أعظم من أن يكتشف الشخص أنه غير قادر على الإنجاب.. وبعيدا عن الأسباب والموانع، تعيش العلاقة الزوجية فترات حرجة، قد تؤدي إلى إنهاء هذه العلاقة، وبين أزواج قرّروا الانفصال وآخرين تحدّوا الأوضاع، سنحاول تسليط الضوء على كيفية تعايش هؤلاء مع هذا الواقع المر عندما يكتشف الزوجان حقيقة عدم الإنجاب تتغير موازين الحياة، ويبدأ وضع جديد وربما حياة جديدة للطرفين، الأمر الذي يختلف حسب ظروف كل ثنائي، والتي تخضع للعديد من العوامل باختلاف الحالات المطروحة. رجال يقررون الزواج للمرة الثانية في الكثير من الأحيان وعندما يتأكد الرجل أن زوجته غير قادرة على الإنجاب، يبدأ في البحث عن الحل من أجل تكوين عائلة وإنجاب أولاد، فيقرر الزواج للمرة الثانية كي لا يتنازل عن حقه في الأبوة تحت أي ظرف من الظروف، وهو ما حصل مع العديد من المتزوجين، مثل نجاة 29 سنة التي انقضى على تاريخ زواجها 3 سنوات وبعد اكتشافها أنها غير قادرة على الإنجاب، حاول زوجها أن يظهر عدم اكتراثه للأمر وأنه يريدها هي فقط، وتحت غطاء إرضاء والدته عرض عليها فكرة أن يتزوج من أخرى من أجل الإنجاب من دون أن يتخلى عنها، وتكون الأخرى أم لولده فحسب، هذا الوضع مس كرامة نجاة وقررت الرحيل، فهي لم تتقبّل فكرة أن تشاركها أخرى في زوجها، وقالت إن الوضع يفوق طاقتها. نفس المعضلة اعترضت سبيل “نسيمة”، لكنها على خلاف نجاة، تجرّأت وخطبت لزوجها امرأة أخرى لتحقق له حلم الأبوة، فيما لم تترك مكانها وأكدت أنها لن تتخلى عن زوجها ولا تكترث لوجود الأخرى، فهو أهون عليها من فراق حبيبها. وفي نفس الموضوع، كان الأمر جد قاسٍ بالنسبة لفاطمة، فهي وجدت نفسها مطلقة ومرمية في بيت أهلها دون سابق إنذار، فزوجها وبمجرد معرفته بعقمها طردها من البيت، ثم بعث لها ورقة الطلاق دون فتح أي مجال للمناقشة والتفاهم ولا حتى توديعها أو التأسف لها. نساء لا تهون عليهن “العِشرة” كما هو معروف لدينا، مشكلة عدم الإنجاب لا تقتصر فقط على النساء، فالرجال أيضا يعانون منها، وفي الحقيقة نجد في مجتمعنا صعوبة في إقناع الرجل بفكرة الفحص، فبعد كثرة العناء وإجراء كل الفحوصات اللازمة من طرف المرأة، يخضع الرجل للفحص، وكم هو صعب عليه وعلى كل المحيطين به تقبّل فكرة أنه رجل عقيم، فهي على حد تعبير الكثيرين تمس رجولته. وفي محاولة منا معرفة وقْع هذه الصدمة على العائلات، صادفنا العديد من الحالات كان أبرزها السيد كريم 32 سنة بعد أربع سنوات من الزواج أقنعته فيها زوجته أنها تعاني من مشكلة تمنعها من الإنجاب، وبالصدفة وفي محاولة منه للاستفسار عن حالة زوجته عند الطبيب، اكتشف أنها لا تعاني من أي مشكل ما أدى به إلى إجراء فحص أكد له أن المانع موجود عنده، فكانت بالنسبة له صدمة بكل المقاييس، ولكن أكثر ما أثر فيه حب زوجته وتضحيتها من أجله وخوفها من جرح مشاعره. هي قصة جد مؤثرة لا تختلف كثيرا عن قصة صفية التي اكتشفت منذ السنة الأولى من زواجها أن زوجها من المستحيل أن ينجب وهي تكمل مشوارها إلى جانبه، وخلال 10 سنوات لم تحاول حتى التفكير في الوضع، ومثلها كثيرات لم تهن عليهن العِشرة ولم يردن ترك شركاء حياتهن لأي سبب من الأسباب، لأن مجرد فكرة التخلي عن الزوج هي خرق للميثاق الغليظ الذي عقداه في بداية زواجهما. الحب يتغلب على كل العقبات عدم قدرة أي طرف من الزوجين على الإنجاب لا تشكّل النهاية، بل هي بداية حياة جديدة يسودها التفاهم، فهي تظهر للطرفين مدى تمسكهما ببعضهما، وتجسد الصبر والتماسك فيما بينهم، فالعديد من الأزواج تقبّلوا وبكل قوة هذه الفكرة مجسّدين بذلك الحب والتضحية التي تعتبر من أسمى معانيه.. هي حالات كثيرة مثل هند التي تخلت وبكل نبل عن فكرة الأمومة أو حتى ذكرها أمام زوجها فقط لأنها تحبه، فعلى حد قولها إذا كان العيش من دون أطفال صعب فعيشها بدون زوجها مستحيل، ورغم أنه في كل مرة يحاول إقناعها بالعيش بدونه والبحث عمّن يحقق لها حلم الأمومة، فهي تعتبر ذلك أمرا مستبعدا لن تتخلى عنه. أما سليم ورغم إجراء زوجته لعدة عمليات من أجل الإنجاب لم تتمكّن من ذلك، إلى أن حذّرها الطبيب من إجراء أي عملية أخرى لما تمثله من خطورة على حياتها، ولكنها ومن أجل تحقيق حلم زوجها قررت إجراء عملية من دون علمه وعرّضت حياتها للخطر. سليم لا يجد حلا لهذا الوضع سوى أن يزيد ويضاعف في حبه لزوجة تضحي بحياتها من أجل إسعاده، فهو لا يفكر البتّة في التخلي عنها أو خيانتها. الكفالة الحل الأخير عندما يستحيل إنجاب الأطفال ويقرر الطرفان الصبر والمحافظة على العلاقة، يبدأ البعض في البحث عن حلول لربما تخلصهم من هذا النقص وتمكّنهم من تأسيس عائلة. هنا تأتي فكرة الكفالة كحل أخيرا، وهو ما لجأت إليه العديد من العائلات مثل عائلة حسينة التي قررت هي وزوجها، وبعد 15 سنة من الزواج أن تكفل طفل يلوّن حياتهم ويكسر حاجز الوحدة في بيتهم. عائلة حسينة تبنّت توأما توفى والديهما على إثر حادث سير، وبعد التكفل بكل الإجراءات اللازمة كوّنا أسرة صغيرة. وفي هذا الموضوع قالت حسينة “لم يمنعنا العقم من مواصلة مشوار حياتنا، وبعملية الكفالة رجعت الفرحة إلى حياتنا والحمد لله”. أما سناء ونظرا لعدم تمكّنها من التبني وصعوبة إجراءاته تقوم بتربية ابنة أختها المتوفاة، وبالتالي تقول “عوّضني الله بطفلة آنستني وخففت عني طعم الحرمان”. بينما تلجأ العديد من العائلات إلى دور الطفولة المسعفة للبحث عن حلم الأبوة والأمومة، باحتضان أطفال تخلى عنهم أولياؤهم، فالكفالة هو آخر حل للبعض؛ بينما يفضل البعض الآخر الصبر وتقبل مشيئة الرحمان. وفي نفس الموضوع، أكدت الأخصائية النفسية جليلة زهيد أن وقت اكتشاف حقيقة عدم الإنجاب عند الطرف العاجز تكون صدمته النفسية بليغة، لا يمكن تجاوزها إلا بمرور فترة زمنية يقوم خلالها بعرض حالته على أخصائيين، فهو من الصعب أن يتقبّل هده الحقيقة. وتؤكد الأخصائية النفسية دور الشريك والعائلة في تجاوز الأزمة من أجل بداية البحث عن الحلول. ومهما اختلفت ردود الأفعال وطريقة التعامل معها، تبقى هذه الحقيقة أليمة ويصعب تجاوزها، مهما كانت درجة الحب والتماسك بين الزوجين.