800 قضية أمام العدالة والمعلومة حبة حلوى في بطن جائع تتغذى الصحافة الجزائرية منذ سنوات من مستنقع الفساد والرداءة التي تجذرت في نظام السلطة الرابعة. فالقهر الإعلامي ليس وليد الصدفة وإنما هو أسلوب لتكميم الأفواه وقمع الحريات وشراء ذمم بعض الإعلاميين الذين تحولوا في ظرف وجيز إلى أثرياء جدد، أنتجوا نفس الممارسات التي كانوا يعانون منها في جرائدهم ومؤسساتهم الأخرى. فالصحافة حقيقة مستنقع المحرومين حتى من توقيعات مقالاتهم. يحدث هذا في وقت تنعم فيه جهات في السلطة التي تدعي الديمقراطية بالراحة لأنه لا يوجد من يشوش عليها، حتى وإن تم فضح ملفات سوناطراك والإطاحة برؤوس لها وزن ثقيل، كل ذلك لم يغير شيئًا في ظل قمع حرية التعبير. وعليه فإن الحديث عن ورقة رفع التجريم عن العمل الصحفي جاءت لذر الرماد في عيون رجال مهنة المتاعب الذين كانوا آخر من ينتفض، فهل الدولة مستعدة حقيقة لعقد اتفاقية صلح مع السلطة الرابعة؟ وهل العدالة ستبرئ ساحة 800 صحفي متابعين في جرائم القذف؟ وهل ورقة الإشهار ستحقق العدالة بين مختلف الصحف الوطنية؟ ثلاثاء الغضب ضد الحڤرة وقهر كرامة الصحفي يجتمع اليوم عشرات الصحفيين وممثلي مختلف الصحف الوطنية العمومية والخاصة في وقفة احتجاجية بساحة حرية الصحافة بالعاصمة والذي يصادف اليوم العالمي للاحتفال بعيد الصحافة، “يوم بدون كتابة” شعار رفعه رجال مهنة المتاعب من أجل التفرغ للنضال من أجل كرامة الصحفي، وحمايته من الحڤرة والتهميش في ظل تكريس قانون الغاب وتضليل الحقيقة عن الرأي العام. المراسلون عين “الغلابة”في الجزائر العميقة تعتبر شبكة المراسلين الصحفيين أضعف حلقة في العمل الصحفي بالجزائر، فهي تفتقد للحصانة التي تحمي الصحفي الموجود بالمركزية أو في التلفزيون والإذاعات وحتى مقرات وكالة الأنباء الوطنية. فالقهر الإعلامي لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى وجود مراسلين محرومين حتى من حق توقيع مقالاتهم، رغم عناء العمل والشقاء في البحث عن المعلومة من أجل تعرية الحقيقة وفضح ملفات التعفن والفساد. كما كان لهذه الشبكة من المراسلين القوة في تفعيل الأحداث الساخنة بكل مصداقية وشفافية بعيدًا عن تصفية الحسابات. فالمراسل يمارس مهنته تحت الضغط والمساومة من طرف البارونات والبزناسية الذين يحاولون توريط البعض منهم في مستنقعات الفساد. لكن هذا لا يستثني الحديث عن بعض الدخلاء عن المهنة أو كما يطلقون عليهم “صحفيو كَسْكرُوت” هذه الفئة من الطفيليين أفقدت المهنة قيمتها بسبب التخلاط بين المصالح الشخصية ومصلحة الجريدة التي تعتمدهم لمتابعة بعض الأحداث التي يصعب على الصحفي في المركزية ضمان تغطيتها. حتى الاذاعات المحلية تتخبط في مشاكل الاختيار العشوائي للمراسلين الذين تحولوا إلى بزناسية في قطاع الإعلام. 800 قضية قذف أمام العدالة والمعلومة حبة حلوى في بطن جائع أكدت دراسة أجراها مختصون في علم الاجتماع بجامعة “باجي مختار” بعنابة أن الطبقة المتوسطة التي ينتمي إليها الصحفي هي الأكثر لجوء إلى القروض الاستهلاكية وهي وسيلة أصبحت المخرج الوحيد لمحدودي الدخل من أجل تأمين الكراء وتحسين النمط المعيشي وتوفير تكاليف العلاج في ظل حرمان 35 ٪ من الصحفيين من التأمين في صندوق الضمان الإجتماعي. وبلغة الأرقام، فإن الراتب الشهري الذي يتقاضاه رجل مهنة المتاعب أكثر بفارق 6 آلاف دينار من المبلغ الاجمالي الذي يتحصل عليه عون النظافة “الزبال” والمقدر ب 12 ألف دينار. لكن يبقى عمل هذا العون شريفا لأنه يسعى لتطهير مختلف القطاعات من القمامات والفضلات. ومن المفارقات العجيبة، حرمان بعض الصحفيين حتى من توقيع مقالاتهم، الأمر الذي يجبرهم على اللهث وراء بعض الدريهمات لتغطية حاجياتهم اليومية، ولضمان دخل أقل مايقال عنه أنه يقيهم مد يدهم للآخرين. هذا وتشير معطيات دراسة المختصين في علم الاجتماع بجامعة عنابة إلى أن 20 ٪ من الصحفيين محرومون من الحصول على شقة فأغلبهم يقيمون في الفنادق أو يؤجرون مساكن ضيقة و14٪ منهم يطالعون مواقع الانترنت من خلال النوادي الخاصة. عرفت السنوات الثلاث الأخيرة 800 قضية قذف رفعت ضد إعلاميين من قبل جهات متعددة. حيث أوردت مصادر، رفضت ذكر اسمها، أن العدالة عالجت 400 قضية، فيما تنتظر أخرى الانفراج بعد خطاب رئيس الجمهورية الداعي إلى رفع التجريم عن العمل الصحفي، علما أن قضايا القذف ضد الصحفي الواحد تتراوح مابين 6 إلى 100 قضية وهو الأمر الذي أثقل كاهل العدالة في معالجة مثل هذه الملفات. هذا ماحدث لأكثر من صحفي أو مراسل وجد نفسه وجها لوجه أمام العدالة ومن ثم الحكم عليه بأحكام ملتوية، تسمح بإخراج البعض منهم من السجن دون تبرئتهم من التهم المنسوبة إليهم حتى لا تظهر الجهة التي اتهمتهم بالقذف لأنها غائبة، يحدث هذا في ظل التضييق على المعلومة التي تحولت إلى حبة حلوى في بطن جائع، لأن الصحافة المستقلة تقتات من فتات تسرب المعلومات غير دقيقة المصدر.