في البداية أوضح أن الثورة أدركتني وأنا طالب بجامعة القاهرة، تدرّبت على السلاح وقرّرت الدخول، لكن أحمد بن بلة احتفظ بي وعينني الأمين الدائم لمكتب جيش التحرير بالقاهرة. سبع وخمسون سنة مرت على اندلاع الثورة، ولا بد من مراجعة التاريخ وتصحيح الأخطاء، وتقييم وتقويم الأحداث، حتى لا تنشأ الأجيال الصاعدة على الأخطاء. أولا: تصحيح تاريخ انضمام الطالب الجزائري للثورة، ينبغي التوقف عن اعتبار مايو 1956 تاريخ انضمام الطالب الجزائري للثورة، هذا يعتبر سُبّة في جبين الطالب الجزائري. الحقيقة هي أن انضمام الطالب الجزائري للثورة تم منذ اندلاعها، فئة من الطلبة وهم طلاّب المدارس الفرنسية تأخرت. انضمام الطالب هذا المبكر شمل المعرّب والمفرنس، لكن انضمام الطالب المعرّب كان أكثر وضوحا، لا لأنه أكثر وطنية، حاشا، لكن لأنه كان مضطرا للصعود للجبال لأنه لو لم يفعل لاعتقل، لأن طالب اللغة العربية عند السلطة الاستعمارية كان يعتبر مشبوها، يعتقل عند اندلاع أية حوادث. ثم إن طالب اللغة العربية في ذلك الوقت كان يحفظ القرآن متفقها في الدين وهذا يفيد في تحريك الجماهير وتجنيدها للثورة، فالذي يحفظ حزب (عمَّ يتساءلون) قادر على تجنيد الجماهير أكثر من حامل دكتوراه الدولة من جامعة الجزائر أو من السربون. وقد سجلت أكثر من تسعين اسما من طلاب العربية من مدارس جمعية العلماء والكتانية والزيتونية، انضموا للثورة في الجبال، منذ الأيام الأولى للثورة. كان أول طالب سقط شهيدا هو قاسم زدّور طالب من جامعة القاهرة وهو من وهران. ليس من الصدفة أن قائد جيش التحرير الوطني الهواري بومدين طالب بمدرسة الكتانية بقسنطينة والأزهر الشريف. هل أن الذي يكتب من اليمين إلى اليسار لا يعتبر طالبا؟؟؟. 19 مايو حدثٌ في تاريخ الطلبة، واعتباره يوما للطالب خطأ. ثانيا: قبل 1956 كانت توجد تنظيمات للطلبة الجزائريين: في تونس منذ الأربعينيات برئاسة عبد المحميد مهري، وفي القاهرة والمشرق العربي منذ الخمسينيات. مثلا أول وفد للطلبة الجزائريين مثل جبهة التحرير الوطني في تظاهرة دولية تكوّن من رابطة الطلبة الجزائريينبالقاهرة، وقد ترأست أنا هذا الوفد الذي شارك في مهرجان الشباب الخامس بفرصوفيا عاصمة بولونيا الذي عقد في أغسطس 1955. وقصة هذا الوفد كما يلي: استدعاني أحمد بن بلة وأمرني بتأليف الوفد والاستعداد للتوجه لبولونيا، وطلب مني الاتصال بحسين آيت أحمد لتزويد الوفد بالوثائق والتوجيهات. عقد آيت أحمد جلسة معي وزوّدني بالوثائق التي وزّعها الوفد الجزائري في مؤتمر باندونغ الذي عقد بأندنوسيا في أفريل 1955. ثالثا: طلبة اللغة الفرنسية المضربون سنة 1956 سيطروا على الجهاز الخارجي للثورة، وكوّنوا إدارة الحكومة المؤقتة بالقاهرة سنة 1958، بدل أن يؤسّسوا نواة لإدارة الدولة الجزائرية باللغة الوطنية، كما فعل الفيتناميون بالصين، كوّنوها بالفرنسية في القاهرة. بدل أن يستغلوا سنوات إقامتهم بالقاهرة ودمشق فيتعلموا العربية، تعلّموا الإنجليزية والإسبانية. وتوّجوا ذلك بأن وقّعوا اتفاقيات إيفيان بنص واحد هو النص الفرنسي، مثل الوفدين الجزائري والفرنسي. ثم دخلوا الجزائر المستقلة فكوّنوا الدولة الفرنكفونية التي لا زال الشعب الجزائري يعاني منها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، لأن الاستقلال أساسه السيادة، والسيادة أساسها الهُوية الوطنية، ومفتاح الهوية اللغة الوطنية. رابعا: ومن الغريب أن محمد الصديق بن يحيى أول رئيس للطلة الجزائريين بباريس، ومهندس اتفاقيات إيفيان، وقّع وهو وزير للخارجية سنة 1981 اتفاقية الجزائر لتحرير الرهائن الأمريكيين من سفارة أمريكا في طهران، التي أبرمت بثلاثة نصوص: النص الإنجليزي ومثل الوفد الأمريكي، والنص الفارسي ومثل الوفد الإيراني، والنص الفرنسي ومثل الجزائر والوفد الجزائري الوسيط. علما بأن اتفاقية مماثلة ثلاثية النصوص وقعت سنة 1973 حملت اسم اتفاقية باريس، والتي أنهت الحرب الأمريكية بالفيتنام، النص الفيتنامي، والنص الإنجليزي، والنص الفرنسي مثل الوفد الوسيط مثّل باريس. وأذكر أن المرحوم بن يحيى قال لي تعليقا على نقدي له في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني: “معك حق، لقد فلتت مني”، فأجبته : “لا يشك في وطنيتكم لكنكم أنتم واقعون تحت مخدر اسمه اللغة الفرنسية الذي ينسيكم واجبابكم الوطنية”. بقلم الدكتور عثمان سعدي: رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية