تلقت الأسرة الثقافية، خلال اليومين الماضيين اللذين أعقبا الإعلان عن القائمة التي تضم قطاع الثقافة والفن، أوكلت لهم مهمة الدخول في مشاورات حول الإصلاحات السياسية، مع هيئة المشاورات التي يترأسها بن صالح، والتي ضمّت كل من الروائي رشيد بوجدرة، القاصة جميلة زنير، الفنان المسرحي سليمان بن عيسى، والسينمائي أحمد بجاوي، بنوع من الاستغراب والتحفظ، خاصة وأنّ القائمة هذه لم تلق ترحيبا كبيراً من قبل أهل الكار، الذين استقصت “الفجر” آراءهم.. وفي الوقت الذي فضّل العديد منهم عدم الحديث عن هذه الشخصيات التي مثلت القطاع، لأنهم يرون أن عدم التصريح بالقائمة التي ستشارك في هذه المشاورات في وسائل الإعلام قبل الانطلاق الفعلي فيها، هو دليل على أن هؤلاء لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يمثلوا الثقافة والفن، كما استنكر البعض الآخر -رفضوا الكشف عن هويتهم -، تلك الشخصيات التي مثلتهم لدى الحكومة، خاصة وأن أغلبهم لا يحظى بقبول من أغلبية النخب المثقفة التي سجلت غيابها الفعلي في هذه المشاورات. وإن كان الشاعر سليمان جوادي، قد اعتبر عملية إدخال عدد من الفاعلين في قطاع الثقافة والفنون، في هذه المشاورات الإصلاحية، تخدم بلا شك النخب المثقفة، وتبيّن أن الدولة الجزائرية تولي اهتماما كبيراً بالمثقفين، فإنه يتمنى في الوقت ذاته أن لا تميّع هذه المشاورات من خلال اكتفائها بعدد ضئيل جداً من الناشطين في قطاع الثقافة والفنون. ولعل اكتفاء القائمة بعدد من الكتّاب ممثلين في شخص الروائي رشيد بوجدرة، والكاتبة جملية زنير، والمسرحي سليمان بن عيسى، والسينمائي أحمد بجاوي، فإنه كغيره من المثقفين كان يأمل في أن تتوسع القائمة لتشمل أشخاصا لهم فاعلية في القطاع الثقافي ويحظون باحترام وتقدير النخب المثقفة، أمثال الروائية والقاصة زهور ونيسي التي تشتغل في الحقل الثقافي منذ ما يزيد 50 سنة. كما نوّه المتحدث إلى أنه كان من الواجب على هيئة بن صالح أن تتودّد إلى كل الأطراف والشخصيات الفاعلة في الحقلين الثقافي والفني، من أجل خلق حوار بنّاء يعود على الجميع بالمنفعة، وإثراء الحوار والنقاش. بدوره، يرى الكاتب كمال قرور أن وجود كل من رشيد بوجدرة وجميلة زنير، المختصين في الأدب، و بن عيسى في المسرح، وبجاوي المختص في السينما، هو إلمام من هؤلاء بمختلف فئات الثقافة والفنون، إذ أنّ كل واحد من هؤلاء سيلخص اهتمامات القطاع الذي ينشط فيه، من أجل إيجاد حلول ناجعة لمختلف القضايا المطروحة في كل فئة من فئات الفنون والثقافة. أما رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين، يوسف شقرة، وفي اتصال هاتفي معه، سألناه من خلاله عن الغياب الملحوظ لهيئة اتحاد الكتّاب الجزائريين، عن هذه المشاورات التي كانت من المفروض أن تكون الطرف الأول فيها، قال شقرة وكله ثقة بنفسه بأنه لا يعتبر أن هذا غيابا له وللهيئة التي يشرف عليها، لأنه “متيقن بأن سلسلة المشاورات لا تزال طويلة”، وأن “هيئة بن صالح ستتصل به كي يمثل المثقفين والكتّاب الجزائريين في هذه المشاورات”، مع العلم أن هذه المشاورات ستنتهي رسميا في آخر شهر جوان الجاري، حيث ستقوم الهيئة بإعداد التقرير النهائي والمفصل الذي سيتضمن كل الآراء والمقترحات بأمانة، ليسلم إلى رئيس الجمهورية حتى يتسنى له إعطاء التوجيهات اللازمة إلى الحكومة التي تعد على أساسه مشاريع القوانين المذكورة وتقدمها إلى البرلمان في دورة الخريف المقبلة، وهذا ما يجهله الرئيس الحالي للاتحاد. كما أن المشاورات تتم مرّة واحدة فقط، منذ انطلاقها الفعلي في 21 ماي المنصرم، وعرفت مشاركة وفود ممثلين لعدد من الأحزاب السياسية وشخصيات سياسية وطنية وكذا ممثلين عن منظمات المجتمع المدني. يذكر أنّ هيئة المشاورات، برئاسة بن صالح، كانت قد استقبلت، أول أمس، شخصيات من عالم الثقافة والفن، ضمّت عددا من الوجوه الناشطة في القطاع الثقافي. وفي تصريح للصحافة عقب اللقاء، أبرز السينمائي أحمد بجاوي أن الإصلاحات يجب أن تصب في إطار “تعميق الديمقراطية”، وأن تكون موجهة “لمصلحة الإنسان”، كما أشار بجاوي إلى أهمية الإبداع والثقافة في المجتمع، داعيا إلى الابتعاد عن الثقافة المرسومة، من خلال تكريس الخدمة العمومية وتشجيع المواطن العادي على الاهتمام بالمنتج الثقافي. أما الروائي رشيد بوجدرة فقد وصف اللقاء ب”العفوي”، ومكّن المشاركين فيه من “إبداء رأيهم حول مسائل تخص الثقافة والإبداع والسياسة بما فيها مراجعة الدستور والقوانين”. من جهتها، أشارت الكاتبة والروائية جميلة زنير إلى أن الإصلاح ينبغي أن يكون “من صنع الجزائريين أنفسهم ولأجلهم” وأن “يعزز المنظومة الثقافية بألوانها وأطيافها”. كما اغتنمت الروائية زنير المناسبة للحديث عن مكانة المرأة في المجتمع مبرزة ضرورة “إعطائها الفرصة في مجال السياسة” لتعبّر عن قدراتها وتسهم في رقي البلاد. أما المسرحي سليمان بن عيسى فقد أشار إلى ضرورة مراجعة الدستور بما يتماشى وطموحات الشباب الجزائري، مشدّدا على وجوب أن يعزّز هذا الدستور الشعور بالانتماء الوطني لدى هذه الفئة. واعتبر المسرحي بن عيسى أن الديمقراطية في منظوره هي “عودة الجزائر لكل الجزائريين”، مع ضمان الحريات لجميع المواطنين.