منذ سنوات سرني خبر تبرع الروائي المصري بهاء طاهر بقيمة جائزة أدبية كبيرة لشراء قطعة أرض يقام عليها مشروع ثقافي، وكتبت آنئذ مقالا بعنوان "الأثرياء والثقافة في الجزائر.. في انتظار غودو"، أضرب حينها كفاً بكف على غرق ما يسمى برجال الأعمال في بلادنا في حضيض المغانم دون وعي بقيمة العلوم والمعارف والآداب سواء من حيث الوقوف عندها استعراضا أو دعمها عبر إنشاء جوائز وما في ذلك من خير يعم رجال المال والبلاد والعباد، ولكن لا حياة لمن تنادي لأن أكثر أصحاب الثروات عندنا ليسوا على شيء من تقاليد البورجوازية كونهم حديثي عهد بالثراء، ثراء أقاموا دعائمه بالغش والخيانة والجهالة العمياء والحال كذلك فإن فاقد الشيء لا يعطيه. طفت هذه الخواطر بذهني في الأيام الأخيرة وقد أثار الزميل الصحفي والشاعر نور الدين باكرية في برنامجه الاذاعي "مسميات الأشياء" موضوع مستحقات المثقفين والفنانين في الجزائر وكنت من المتدخلين رفقة الدكتور واسيني الأعرج والكاتب بوكبة عبد الرزاق. وعلى بعد المسافة بين الفنان في الجزائر والمثقف المنتج للمعرفة والإبداع، وبعيدا عن منطق المقارنة وإن كانت واجبة في أكثر الأحايين بين المقابل المادي الذي يتقاضاه فنان من الدرجة العاشرة أو من الدرجة الأولى وبين ما يتلقاه مثقف محاضر في ندوة أو شاعر في أمسية، يحدث الإجحاف بين الفئتين في كل أقطار الدنيا، لكن كثيرا من البلدان المتقدمة أو السائرة في طريق النماء استطاعت أن تحفظ ماء وجه المثقف الأكاديمي أو الأديب عبر احترامه عبر مستحق لا يغنيه ولكن لا يهينه في ذات الإبان. الدكتور والروائي واسيني لعرج وهو العارف بالمشهد العربي والغربي فيما يتعلق بمستحقات الكتاب سواء في النشر أو في المشاركات الأدبية أو العلمية استغرب منطق الكيل بمكيالين من طرف كثير من مؤسساتنا الثقافية عندما يتعلق الأمر بمستحقات الضيوف الأجانب، فبينما يكرم الضيوف كما يجب أو كما يليق بهم يهال التراب على أبناء البلد، ومع الألم الذي رفعه بوكبة في هذا الإطار فإن عبد الرزاق يرى أن الموضوع تحسن في السنوات الأخيرة من خلال خلق بعض التقاليد على مستوى القراءات الشعرية التي كانت في الزمن القريب "باطل"، وهو موقف صائب في الشكل ولكن يحتاج إلى مناقشة. ومهما يكن من أمر تشعب وتعقيد هذا الموضوع الذي لا يتعلق بمشكل تقني وإنما بنمط ذهني وخلل في التفكير والسلوك على السواء، لأن إهدار القيمة الحقيقية للمعرفة وللإبداع لم يكن وليد اليوم في الجزائر من حيث التثمين والتشجيع، وإنما الأمر بعيد وغائر في سلوكنا السياسي والاجتماعي، الأمر الذي جعل المثقف والمبدع مهمشا وعلى هامش الحياة وبعيدا عن الملعب الحقيقي ما جعل بهلوانات ثقافية تحتل مكان الصوت الجوهر لتجهز بدورها وبغباء نادر على ما تبقى من ماء وجه المثقف الحقيقي والرائد في الجزائر. هكذا ومن الطبيعي أن لا تكون هناك مستحقات للمثقفين نظير جهدهم المعرفي والأدبي، وإذا كانت فهي مهينة موغلة في السخرية تأكيدا على تفاهة وهامشية هذه الطبقة في المجتمع. لعمري إنه موضوع يستحق أن يكون من ضمن الإشكالات التي يعالجها المجلس الوطني للفنون القادم، ومع ذلك أقول للمثقفين ما قال سارتر "نحن أنصاف ضحايا، وأنصاف شركاء في الجريمة"، ولن تقوم لكم قائمة إذا دمتم على قاعدة "لله يا محسنين".