يعود إلى الواجهة السياسية في أوروبا، هذه الأيام، الصراع الفرنسي التركي على خلفية إجبار تركيا على الاعتراف بالإبادة الجماعية في حق الأرمن، ويخرج الرئيس الفرنسي عن صمته ليطالب تركيا بالاعتراف من هنا لغاية نهاية السنة باعترافها الرسمي بما قامت به الدولة العثمانية من إبادة جماعية في حق الأرمن. وتركيا ترد الصاع صاعين وتطالب عبر إعلامها بأن تعترف فرنسا وتعتذر عن الإبادة الجماعية التي قامت بها في حق الشعب الجزائري في الثامن من ماي سنة 1945. والأكثر من ذلك تطالب أحزاب سياسية في البرلمان التركي بضرورة اعتراف البرلمان التركي بإبادة جماعية ارتكبتها فرنسا في الجزائر في أحداث ڤالمة وخراطة سنة 1945 لإجبار فرنسا على التخفيف من ضغطها على تركيا في هذه القضية التي قامت تركيا بتوقيع بروتوكول للدراسة القضية وبحضور وزير خارجية فرنسا، برنار كوشنار، في تلك الفترة. الكثير من الكتابات والأفلام الوثائقية أنجزت في تركيا حول أحداث خراطة، وقامت وسائل الإعلام بتنظيم حملة توعية للرأي العام لتعريفه بما قام به الجيش الفرنسي خلال تلك الفترة، وأكثر من ذلك تزايد الطلبات للفرق الصحفية التركية لزيارة الأماكن التي وقعت فيها الأحداث للتحدث إلى من هم قادرون على تقديم المزيد من المعطيات حول الحدث، ولكن التمنيات التركية لا تعرف لها طريقا إلى السلطات الجزائرية وتجد، حسب محدثين، حماسا لدى الجزائريين في هذا الموضوع. خلفية الصراع ضد تركيا تعود إلى الموقف الفرنسي الذي عرقل مساعي التفاوض التركي الأوروبي قصد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، واقتنعت تركيا أن فرنسا ساركوزي ستكون لها بالمرصاد أوروبيا. كما اكتشف السلطات التركية، حسب محدثنا في بروكسل، أن اللوبي اليهودي جند ضدها عدة أحزاب سياسية، بما فيها أحزاب ألمانية تناضل ضد اقترابها من الاتحاد الأوروبي، وقد يفسر هذا الموقف التركي حيال إسرائيل بعد اكتشاف ما كان يقوم به اللوبي اليهودي ضدها في عدد البلدان الأوروبية، ففهمت تركيا أنها لن تكون عضوا في الاتحاد الأوروبي، والسبب الرئيسي هي ديانة أغلبية الشعب التركي المسلم فغيرت تركيا رؤيتها وتبنت مفاهيم ونظريات وزير خارجيتها، الأستاذ داوود أغلو، وحزمت أمتعتها للرجوع إلى حظيرتها الطبيعة، وهي العالم العربي والإسلامي، لتحقق العديد من المكاسب الاقتصادية، حيث الاقتصاد التركي هو الوحيد في المنطقة الذي يحقق نمو اقتصاديا برقمين، كما اكتسبت المزيد من الاحترام السياسي لدى العامة ولدى السياسيين على حد سواء بمواقفها الشجاعة. وبدأ الطاقم السياسي التركي المدعوم شعبيا يجول العواصم العربية والعالمية ويحقق الانتصارات تلو الانتصارات، وطبعا لم يرق ذلك للغرب الذي منعها من دخول النادي الأوروبي، فبحث عن نقاط قوة أخرى أزعجت القوى الأوروبية التي أدارت لها ظهرها، وأولها فرنسا ساركوزي، التي اصطدمت بتركيا مجددا في الصراع الليبي، والذي لعبت فيه تركيا كعضو في الحلف الأطلسي دورا حاسما في سحب البساط من تحت أقدام فرنسا ومنعها من الاستفراد بالتدخل في ليبيا رفقة بريطانيا وأمريكا.. وها هي فرنسا تخرج من جعتها القصة الجديدة القديمة ضد تركيا المتمثلة في الاعتراف بارتكاب الإمبراطورية العثمانية بجرائم إبادة جماعية في حق الأرمن. ورغم أننا يجب أن نعترف بقوة ونفوذ اللوبي الأرمني في فرنسا وتأثيره على القادة السياسيين إلا أن الأجندات الإقليمية والدولية والصراع حول النفوذ الاستراتجي في عالم يعيش تحت يالطا جديد دون اجتماع واضح لتقسيم الغنائم. اللوبي اليهودي في حيرة من أمره أمام إلحاح طلب فرنسا من تركيا الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن على يد الدولة العثمانية، لأن اليهود سيفقدون هذه الصفة لأنهم الشعب الوحيد الذي اعترف له العالم بأنه تعرض للإبادة الجماعية على يد حكم هتلر النازي في الحرب العالمية الثانية، ويريد اليهود أن يبقوا على الصفة لوحدهم دون غيرهم. وقد وقف الكثير من المختصين في القانون الدولي ضد أن يتحصل أي شعب آخر على اعتراف دولي بتعرضه للإبادة الجماعية.