ثورة مصر التي قادها عبد الناصر سنة 1952 افتخرت بأنها عينت لأول مرة رئيسا مصريا يحكم مصر! وهو عبد الناصر! لأن مصر كانت طوال تاريخها منذ الفراعنة تحكم من طرف حكام ليسوا من مصر.. لذلك افتخر المصريون بعبد الناصر.. لأنه أول مصري يحكم مصر! في الجزائر يكاد يكون كل رؤساء الجزائر جاؤوا إلى الحكم من خارج الجزائر! من بن بلة حتى عبد العزيز! ولذلك يطمح الجزائريون لأن يحكمهم في المستقبل رئيس لم تكن له إقامة بالخارج! بشرط أن لا يكون من نوع الرئيس التونسي الهارب إلى الخارج بن علي! في سنة 1992 قرأت كتابا في مكتبة سجن سركاجي لا أتذكر اسم مؤلفه وأتذكر فقط جملة قرأتها في الكتاب.. تقول: إن من لم يسجن لا يعرف المعنى العميق للحرية! لذلك فإن الحكام الذين لم يسجنوا في حياتهم هم أكثر الناس استهتارا بحرية الناس! الربيع العربي الذي يجتاح العالم العربي في عز الشتاء ببرده القارس أصبحت فيه السجون هي المدارس العليا التي تؤهل الناس إلى تولي المسؤوليات لأن الحاكم في الوطن العربي لكي يدافع عن الحرية لا يكفي أن يكون من خريجي الكليات الكبرى.. بل ينبغي أن يكون خريج السجون الكبرى أيضا! الدساتير والقوانين العربية تعج بالمواد القانونية التي تمنع صاحب السوابق من تولي المسؤولية العمومية إلا أن الذين يحملون في سيرهم الذاتية عبارة سجين سابق.. يعدون من أكثر الناس تأهيلا لتولي المسؤوليات! لأن الجامعات في البلدان العربية هي في الحقيقة السجون وليس الجامعات المعروفة! فالإصلاح الحقيقي الذي يتطلع إليه العرب في ربيعهم.. ليس هو استبدال نظم ديكتاتورية بأخرى خريجة سجون.. بل الإصلاح الحقيقي هو هذا الذي يعيد للجامعة قيمتها ويعيد للسجن معناه.. كسجن وليس كجامعة لتخريج الإطارات العليا للدولة!؟ ومادام الثلاثي الرهيب: السجن.. والمنفى.. والثكنة هي المصادر الأساسية لتخريج من يتولى السلطة في الوطن العربي فلا أمل في التطور والإصلاح حتى ولو جاء في ربيع شتائي!