من المعروف والسائد أن الأب هو السلطة العليا في كل أسرة، لكن غياب هذا القائد أو كثرة مشاغله تفتح المجال لظهور عنصر قيادي جديد يجسده الأخ الأكبر، ليحصر دور الأم في الأمور البسيطة وينصّب نفسه وصيا على أخواته، اللاتي تعشن تحت رحمة هذا الأخ الذي يتجاوز في كثير من الأحيان الحدود المتاحة له، ويحوّل حياة أكثرهن إلى جحيم لا يطاق. ينتهز بعض الإخوة فرصة غياب الأب لفرض بعض القيود الخانقة على أخواتهم، فكثيرات هن البنات اللاتي يشتكين التسلط الأخوي، لأن المشاهد تكرر نفسها في أغلب البيوت. نسرين هي إحدى هؤلاء البنات وسط ثلاثة إخوة ذكور، ما جعلها تعاني تسلّط كل واحد منهم حتى من يصغرها سنا، فهي تقول إنهم يفرضون عليها قيودا لا نهاية لها، فالخروج والتأخر ومصادقة البنات والتحدث بالهاتف، كلها أمور تقول إنها مُنعت عنها، ولا تتجرأ على القيام بها خوفا من العقاب؛ فيما يبرر بعض الإخوة استعمال القسوة والعنف لقمع أخواتهم، بالخوف عليهن من الانحراف في ظل كل الإغراءات والفتن حتى لا تفكرن في انتهاج طريق مشبوه. وفاة الأب تمنحهم المشروعية إذا كان غياب الأب لفترة بسيطة عن المنزل أو انشغاله ببعض الأمور يفسح المجال للسلطة الأخوية بالظهور، فوفاة هذا الأخير تمنح الذكور الشرعية المطلقة للتحكم في زمام أمور الأسرة، بما فيها رعاية الأخوات والحرص على إبقائهن رهن طوعهم. وفي ذات السياق، تقول إحدى الفتيات اللاتي تعانين من الأمر “إن تسلّط أخي ازداد منذ وفاة والدي، ليصل به الحد إلى اتخاذ القرار بدلا مني وأختاي، في أهم تفاصيل حياتنا”، فيما أعربت أمينة عن حسرتها على وفاة والدها التي أعطت الحق-حسبها- لتحكم إخوتها الذكور بها، هذه السلطة التي تقول إن أمها تلعب دورا في ترسيخها تحت فكرة “هم رجال البيت بعد أبيك، لذا تحق لهم الطاعة”. وعن تواطؤ الأم في هذه الحالات تقول كنزة “أمي تبرر تصرفات أخي التي تعدّها تعبيرا عن محبتهم وخوفهم على شرفي وشرف العائلة، فهي تقف عاجزة وعديمة الحيلة أمامهم”. العمل والشهادة يشفعان للبعض تؤكد أغلب الدراسات الاجتماعية أن المستوى التعليمي والثقافي للفتاة يلعب دورا في تحديد الطريقة التي تعامل بها من طرف المقربين والمجتمع ككل، لذا نلاحظ أن أغلب الحالات التي تتعرض للتسلط الأخوي هن فتيات مستواهن التعليمي متوسط، أو ماكثات بالبيت، فالشهادة والعمل يشفعان في كثير من الأحيان للفتاة التي تعتبر علمها بمثابة سلاح تواجه به الجميع، هذا ما أكدته هاجر التي تقول: “تخلصت من الرقابة اللصيقة لأخي، بعد أن ظفرت بمنصب عمل ينسيني أجواء البيت الكئيبة التي يفرضها علي، كما أن ضيق الوقت الذي نلتقي فيه أنقص الكثير من مضايقاته لي”. وفي ذات السياق تقول سعاد “معاملة إخوتي لي مختلفة عن تلك التي تعامل بها أختاي، فكوني المتعلمة من بينهما منحني الكثير من الحرية، خاصة بعد حصولي على وظيفة خلّصتني بها من تسلطهم”. سلطة الإخوة تدفعهن لارتكاب الممنوع كثيرة هي الحالات التي دفع فيها التشدد الأسري بالكثير من البنات للتمرد على هذه السلطة، من خلال خرق الحواجز الموضوعة من طرف إخوتهن الذكور. ولعل من أبرز هذه التجاوزات رفقة السوء وإتيان الأمور التي يرفضها المجتمع، تطبيقا لشعار “الممنوع مرغوب”، فيما وصل حب الحرية ببعضهن إلى ترك المنزل هروبا من بطش إخوتهن. وفي هذا المقام تقول مريم التي هربت من المنزل عدة مرات لذات السبب:”ما يؤلمني هو موقف أبي الذي يوافق أخي على ذلك ويتفرج عليّ وأنا أضرب أمام عينيه، لأبقى أنا المخطئة دوما في نظره”. مضيفة أنها ستوافق على أي بديل ينجيها من ظلم أهلها، فالمهم أن تتخلص من جبروت الأخ وإهمال الأب. ... وآباء وضعوا حدا للتجاوزات في الوقت الذي يقف بعض الآباء مكتوفي الأيدي متفرجين على أبنائهم وهم يسلّطون على أخواتهم أقسى أشكال العقاب، اتخذ بعضهم مواقف من شأنها الحد من هذه التجاوزات، فالقرار في نظر الكثير من الآباء لا يعني الأخ إطلاقا، الأمر الذي أكده رشيد قائلا:”لا يمكن أن نعطي الحق لأبنائنا للتدخل في شؤون بعضهم، فالابن قليل الخبرة ولا يعرف كيف يتصرف، لذا فلجوؤه للعنف لقمع أخته أمر متوقع لأنهم لا يملكون الخبرة الكافية”. أما سيد أحمد يقول إن القرار الأول والأخير بيد الوالد، ويكفي أن تستأذنه بناته لتفعل ما تريدن ولو رفض الإخوة، “فأنا أحاول دائما قمع رغبتهم في التسلّط”، مشيرا دوما إلى أنه المسؤول عن البيت وليس مسموحا أن يفرض الأخ سلطته على أخته ما دام حيا. الإسلام يرفض الظلم تؤكد أستاذة العلوم الشرعية حسيبة مقدم أن الأب هو الوصي الوحيد على بناته في حياته، ولا يجدر بأحد التدخل في أمرهن إلا من باب النصيحة ليس إلا. أما بالنسبة لتسلّط الأخ فتقول نفس المتحدثة “إن ذلك ناتج أحيانا عن التجارب العاطفية التي يعيشها الشاب والتي تجعل كل البنات محل شك في نظره بما فيها أخته”، لذا فهي تلقي بكامل المسؤولية على عاتق الوالدين، اللذين يجب عليها تأدية دورهما كما ينبغي، مرجعة السبب الرئيسي في ذلك إلى تخليهما عن المسؤولية وعدم تحقيقهما للعدل في معاملة أولادهم. كما أكدت الأستاذة حسيبة هنا أن الأخ لن يتمادى أو يتطاول على أخته إذا وجد الرادع، مضيفة أن على الإخوة أن يعلموا أن العنف لن يكون حاجزا بين الفتاة والانحراف لأنها ببساطة تستطيع فعل ما لا يرضيهم في الخفاء، فالحوار واللين في المعاملة أفضل الطرق لكسب الآخرين.