كنتُ حريصا سهرة الخميس الماضي؛ على مشاهدة حلقة جديدة من برنامج "أنتم أيضا" للإعلامي المتميّز أحمد بن صبّان، إلى درجة أنني عانيت في ضبط صورة التلفاز على القناة الأرضية الجزائرية التي بثّت البرنامج، وتحايلتُ على كابل استقبال موجة البثّ الأرضي، بشوكة طعام لتحسين الصورة، مستحضرا بذلك سنوات مجد التلفزيون الجزائري الذي كان يجمع العائلة على قناة واحدة.. كنت سعيدا وأنا أشاهد عبر صورة "فيها الرشّ"، وجه الإعلامي الجزائري رابح فيلالي، الذي تربّينا على مراياه الثقافية، زمن مرايا ما قبل الموت.. كان فيلالي ضيفا على بن صبّان وكانت دموع الرجلين أصدق من أيّ حوار.. تساءلت وأنا أرحل مع حديث الرجلين إلى زمن التلفزيون الجزائري المرفوع الرأس، تساءلت: "ما الذي ينقص هذا التلفزيون، كي يُعيد مجده؟؟".. في تلك الأثناء؛ اتّصل بي صديق من إمارة دبي وهو إعلامي جزائري شاب، تؤثث طلّته البهيّة يوميا وقت الذروة بواحدة من أكبر الفضائيات العربية (كان يستجدي قبل عامين، فرصته في شارع الشهداء، ولم تمنح له!!..)، تحدّثنا عن نجاحات الإعلاميين الجزائريين في الخليج، تحدّثنا عن حسرات الإعلاميين الجزائريين في بلدهم، تحدّثنا عن العام الجديد وتمنينا لبعضنا بداية سنة سعيدة، قبل أن أعود إلى عوالم فيلالي وبن صبان.. سأل بن صبّان فيلالي الذي اشتغل بأكبر الفضائيات العربية، قبل أن يستقر في واشنطن: "ما الذي تتمناه اليوم بعد هذه المسيرة الإعلامية الحافلة؟".. ردّ فيلالي مغرورق العينين: "أتمنى أن أقدّم برنامجا بالتلفزيون الجزائري".. آه يا رابح؛ كم أوجعتني إجابتك.. كم أوجعت قلبي يا رابح.. في تلك الأثناء التي أطفأت فيها شاشة التلفزيون (دقائق الانتقال من يوم الخميس إلى يوم الجمعة) على دموع أحمد ورابح، كان هناك قلبٌ آخر في بيت متواضع في حي ڤاريدي بالعاصمة، يذبل في صمت الكبار.. لم أكن أعلم أن في تلك اللحظات الداخلة في يوم جديد، كان الموت يحضّر نعشه لواحد من أكبر رموز عهد التلفزيون الجميل، رجل كانت اليتيمة في زمنه عروسا مُسجّاة.. تغار منها كل بنات الإعلام العربي.. ذلك الزمن الذي أبدع فيه رابح فيلالي، مراد شبّين، إسماعيل يفصح، خيرة سعدي ومدني عامر وغيرهم كثيرون، تربّوا على يدي الرجل الذي انطفأ قلبه ليلة الجمعة، وها هم اليوم، رغم نجاحاتهم في الخارج، يحنّون لبرنامج في تلفزيونهم الأمّ.. تساءلت وأنا أقفُ أمام القبر الذي احتضن، أول أمس، الفقيد "عبدو ب" (محمد عبدو بن زيان، مدير التلفزيون في عهده الذهبي)، لو أنّ بن صبان استضافه في برنامج "أنتم أيضا" - هذا البرنامج المميّز الهارب من فوضى برمجة صندوق العجب الجزائري في عهد الانحطاط - لو سأل أحمد، "عبدو ب": "ما الذي تتمناه اليوم بعد هذه المسيرة الإعلامية الحافلة؟"، بماذا كان سيجيبُ بن زيان؟؟ رحمك الله يا سيّد الشاشتين، وأحيا الله شاشة هذا البلد..