ودّعنا سنة 2011 بوفاة زميل آخر، أو بالأحرى، استقبلنا هذه السنة بخسارة فادحة، خسارة الزميل عبدو بن زيان، أو عبدو. ب، الاسم الذي كانت تحمله توقيعاته في شتى المنابر الإعلامية التي كتب فيها. عرفت شخصية عبدو الإعلامية سنوات الثمانينيات عندما كان يدير مجلة “الشاشتان” المتخصصة في السينما والتلفزيون، وعرفته ثائرا ومبدعا عندما اعتلى منصب مدير التلفزيون بداية التسعينيات أيام حكومة حمروش، فحول التلفزيون الجزائري من تابوت أموات، إلى قلعة إعلامية ومنارة للحرية والمهنية، وبرزت معه وجوه إعلامية كفأة، وصار التلفزيون الجزائري مضرب المثل في المهنية وفي جرأة الطرح، وعندما كان منبرا للنقاش الحر الديمقراطي أين كانت تمر كل الحساسيات السياسية المشكلة للطيف السياسي الجزائري، واكتشفنا الكفاءات الوطنية في شتى التخصصات، فحتى برامج الأطفال في عهده كانت راقية حملت بصمة الإبداع والوطنية.. وعاد التلفزيون الوطني إلى الرداءة بمجرد تنحية عبدو. ب. عبدو. ب رحل أمس، مثلما عاش، واقفا، وفيا للمبادئ التي آمن بها، فالموت الذي زاره منذ عشرين سنة مضت عندما أصيب بنوبة قلبية كادت تعجل بوفاته لولا نقله على جناح السرعة إلى فرنسا أين أجريت له عملية جراحية على القلب، لم يمهله هذه المرة، ولم يعطه فرصة أخرى، فاختطفه وهو في أوج العطاء، فهو مازال يكتب حتى آخر أيامه مقالاته النارية، وتحليلاته العميقة التي تذهب إلى عمق الجرح الوطني، ومايزال يقول كلمته القوية ولا يخاف لومة لائم. فمنذ أيام التقيته بنادي الصنوبر، خلال الجلسات الوطنية التي ينظمها المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي الذي يشتغل عبدو به مستشارا، فكان كعادته مبتسما يزرع البسمة أينما حل، ومثل كل مرة يسألني عن “الفجر” ويزودني بالنصائح، فمن مثله يعرف مطبات المهنة، ومن مثله يعرف كيف يسمو بها فوق الاعتبارات الشخصية، وفوق المصلحة الضيقة. منذ فترة التقينا حول عمل إعلامي بمؤسسة “فريديريك إيبارت” بالجزائر، وطلب مني أن أوصله إلى بيته الكائن بحي ڤاريدي 2، فقلت له ممازحة: “يا عبدو ما زالك تسكن في شقة وأنت كنت مديرا للتلفزيون في أوج عزه؟”، فرد ضاحكا: “يا أختي أنا ما عندي غير راتبي، فمن أين لي بالفيلا؟”. ومن شقته أمس، نقل جثمانا إلى مقبرة سيدي يحيى، مع أن من أتى بعده على رأس التلفزيون يبدل الفيلات مثلما يبدل المناصب، ربما لهذه الميزة كان أصدقاؤه كثر أمس وهم يودعونه إلى مثواه الأخير. رحمك الله يا عبدو، وألهمنا وذويك صبرا جميلا.