تشهد بورصة الكتب في الجزائر، إقبالا نوعيا في الفترة الأخيرة، وهو ما وقفنا عليه من خلال جولة قادت ”الفجر” إلى عدد من المكتبات المتخصصة المتواجدة في العاصمة، حيث أكد لنا مسيروها أنّ الأشهر الأخيرة استطاعت أن تغيّر من رؤية القارئ الجزائري الذي كان في السابق يتهافت لاقتناء الكتاب الديني، وكتب الطبخ وكتب اللغات، ليتحول إلى البحث عن كتب الفكر والسياسة والتاريخ والسير الذاتية التي أفرزتها موجة التغيير التي تحدث في الوطن العربي منذ فترة. كانت البداية من مكتبة العالم الثالث بشارع الأمير عبد القادر. دخلنا المكتبة واقتربنا من المسؤول عنها وسألناه عن ماهية الكتب التي تلقى رواجا وتحقق أعلى المبيعات خلال الأشهر الحالية. وقبل أن يجيبنا، لوّح بيده مباشرة إلى رفوف تضم مجموعة كبيرة من العناوين التاريخية التي تتعلّق بتاريخ الجزائر وبلدان أخرى بالإضافة إلى أحداث عرفها العالم طيلة الأزمنة الماضية، وعبّر في ذات الصدد بأن العناوين التاريخية كأرشيف الثورة الجزائرية للكاتب محمد حربي ومؤلف الجزائر بين 1954 و1962 للمؤرخ بن جامين ستورا، بالإضافة إلى الأدبية تشهد إقبالا منقطع النظير مقارنة بمؤلفات مجالات أخرى من طرف شرائح مختلفة من القراء لأغراض عديدة منها ما يتعلق بالبحث ومنها ما يتعلق بالمطالعة. وأوضح من جهة أخرى بأن المؤلفات الأدبية والتاريخية ليس كلها، لكن مجموعة منها فقط تعود لثلة من الأسماء الفاعلة في هذا الحقل وفي مقدمتهم الأديب ياسمينة خضرا والذي تعرف إنتاجاته الأدبية سواء الإصدارات القديمة أو الحديثة على غرار رواية ”بما تحلم الذئاب” الصادرة سنة 2010، ”فضل الليل على النهار”، إلى جانب الروائيين حميد غرين بجملة من المؤلفات، لا سيما روايته المكتوبة بالفرنسية ”المشي على الأقدام”، وكذا أسماء أخرى مثل واسيني الأعرج ومليكة مقدم، إلا أن حجم اقتنائها لا يساوي نصف ما يقتنى من عناوين الكاتب ياسمينة خضرة. غيرنا الوجهة ثانية لتكون مكتبة الفنون الجميلة بشارع ديدوش مراد وتضم هذه المكتبة الصغيرة في رفوفا عناوين متنوعة في شتى الميادين والتخصصات لمؤلفين جزائريين وأجانب. وبهدف الحصول على إجابة شافية لمن هو محقق أعلى نسبة من المبيعات في سوق الكتب من خلال الإقبال على كتبه، قالت مشرفة المكتبة صادق مليكة بأن الإقبال على الكتب هذه الأيام طفيف لكن أحيانا يكون هناك إقبال خاص وفي زمن معين يتعلق بأمور الدراسة أو الأحداث الحالية التي يعيشها العالم بصفة عامة وبشكل خاص. ولهذا تعتقد مليكة انطلاقا من معايشتها اليومية للزبائن أن العناوين التي تلقى رواجا بصورة أكبر هي الكتب التي تتناول الظروف الراهنة السياسية والاجتماعية على غرار الكتاب الذي يروي سيرة رجل الأعمال يسعد ربراب، وكذا الحوليات المتعلقة بالدراسة والامتحانات، إلا أنها لم تخف ما تحققه كتب الأدب والتاريخ في أحيان أخرى، مشيرة إلى مجمل العناوين التي أصدرها الأديب ياسمينة دون استثناء، وبنسبة أقل مؤلفات حميد غرين، وواسيني الأعرج، أنور بن مالك وبالخصوص نسبة الأرباح التي يحققها مؤلفه الموسوم ب”سوف لن تموتي أبدا”، فيما تقهقر الإقبال على مؤلفات كل من عز الدين ميهوبي، وأمين الزاوي. وفي سياق متصل، تبقى الكتب التاريخية المتعلقة بالفترة السابقة أو التي تحضر للاحتفال بعيد الاستقلال في ذكرته الخمسين، تحافظ على الصدارة إلى جانب الأدبية، حيث تعرف سوقها انتعاشا ملحوظا صنعتها ثلة من العناوين ومنها مؤلف عبان رمضان عن المقاومة الجزائرية، وتاريخ الجزائر ”من نوميديا في الجزائر: أحكام وتصورات” للسياسي كريم يونس. من جهته، أكد لنا مسير مكتبة ”مينوي” الواقعة بشارع العربي بن مهيدي 2، أنّ خارطة القراءة لدى الجزائريين قد تغيّرت في الأشهر القليلة الماضية، حيث أصبح اهتمام القراء سواء طلبة أو مثقفين أو كتاب وإعلاميين ينصب جلّه في البحث واقتناء الكتب التي لها علاقة بالسياسة والتاريخ والفكر بعدما كانت هذه الكتب تقبع تحت الغبار ولا تجد من يسأل عنها أو يقتنيها. ويضيف محدثنا أنّ السبب الذي جاء بهذا التغيير راجع في الأساس إلى ربيع الثورات العربية والزوبعة الإعلامية الكبيرة التي أثارتها الفضائيات الإخبارية العربية حول هذه القضية، ما دفع بالجمهور إلى ضرورة معرفة الخلفيات السياسية والثقافية والتاريخية المحيطة بالمنطقة العربية وزعمائها. وأوضح المتحدث إلى أنّ هناك إقبالا نوعيا على الكتب الثورية نتيجة لحساسية هذه القضية لدى الشعب الجزائري الذي دفع في سبيل تحرره من الاستعمار الفرنسي الغاشم ما يزيد عن مليون ونصف المليون شهيد. ولم يخرج رأي فاطمة الزهراء، مسيرة مكتبة ابن خلدون، عن الآراء السابقة حين أعطت وجهة نظر مماثلة صبّت في تفوق الكتب الأدبية من خلال الروايات الكلاسيكية والحديثة لأشهر الروائيين والشعراء في الجزائر وكذا العالم وعلى رأسهم ياسمينة خضرة، مولود فرعون، وآخرون واسيني الأعرج، آسيا جبار، أمين الزاوي، بالإضافة إلى التاريخية. وحسب المتحدثة، فإنه بالرغم من قلة العناوين الأدبية للأدباء الجزائريين بمكتبتهم بسبب اعتمادهم على عملية استيراد الكتب الأجنبية، غير أن ما يتوفرون عليه في هذا المجال من عناوين محلية فاق الإقبال عليها كل التصورات وهذا دليل على اهتمام القارئ الجزائري بالرواية والتاريخ الجزائري بغض النظر عن العلوم والمعارف الأخرى في الطب أو الهندسة أو العلوم. بالمقابل، تسيطر بمكتبة أودان الكتب العلمية والدراسية البحتة في تخصصات معينة كالقانون، الطب، الاقتصاد، البيولوجيا على نسبة البيع، وحسب القائم بشؤون المكتبة، فإن السبب يعود إلى ارتباطها بالجامعة والمدرسة وأن من يقبل عليها ترتكز في شريحة الطلبة والباحثين من الأساتذة والمتخصصين في هذا الميدان. أبرز هذا الاستطلاع حركة متفاوتة من حين لآخر في عملية بيع الكتب في مختلف المجالات والتخصصات وكذا نسبة الإقبال عليها، إلا أن الظاهر هو سيطرة بعض العناوين الأدبية والتاريخية دون النظر إلى زمن صدورها أو نقطة بيعها على حساب بعض المؤلفات الأخرى التي لم تستطع مجاراة العملية التجارية وتلبية رغبات الجمهور إذ بقيت حبيسة رفوف المكتبات في انتظار فرص بيعها.