سليمة بالغالي، كفيفة لم ترى النور سوى لسنوات قليلة في حياتها، نتيجة ورم في الرأس تسبب في الضغط على أعصاب العين وفقدانها للبصر.. تحدت الصعاب وقهرت المستحيل لتحقق حلم طفولتها في التعليم. وفي محاولة منا لاقتحام عالمها المظلم والتعرف على أحوالها لإظهار الجوانب المشرقة من حياتها باحت لنا بالكثير. في عالم يفشل فيه الكثير من المبصرين في تخطي المراحل الأولى من الدراسة وتكوين الذات، وفي الوقت الذي يشكل الكثير منهم عالة على محيطه ومجتمعه، نرى على الجهة المقابلة أشخاصا فقدوا نعمة البصر يسيرون على خطى بصيرتهم، فيصلون إلى محطات بارزة عجز الكثيرون بلوغها. سليمة بالغالي، تمكنت رغم إعاقتها من اجتياز الكثير من العقبات والوصول إلى درجات في العلم والعمل عجز عنها الكثير من الأصحاء. الظلام خيم على حياتها في البداية سليمة استقبلتنا في غرفة واسعة، ضاقت بما مُلئت به من آلات برايل للكتابة. وبسؤالنا عن حياتها أجابت ‘'لم أتوقع يوماً أن أجد نفسي عاجزة عن النظر للأشياء من حولي، ولكن هذا ما ساقه القدر لي منذ طفولتي”، لذا قررت عائلتي أن تتحدى الظروف قبلي وذلك بتسجيلي في مدرسة خاصة بالمعاقين، تمكنت بعدها من إجادة الكتابة على البرايل، فما ساعدني هو تقبل الأهل لإعاقتي بدرجة عالية، ولولا جهود الأهل ودعمهم المتواصل لي لما تمكنت من النجاح”. صديقتها كانت سببا في نجاحها لم تنس سليمة، خلال حديثها عن أيام الدراسة، صديقتها المقربة، عبلة، التي أخلصت لها طيلة تلك الأعوام الدراسية في المرحلة الإكمالية والثانوية، مبينة أن الإدارة حاولت جاهدة أن توفق بينهما من أجل تسهيل شؤون تخرجها، ومساعدتها في تخطي الصعوبات التي قد تواجهها في المدرسة.. قائلة:”لقد قامت عبلة، مع أنها تبصر، بمساعدتي في مشواري الدراسي من خلال متابعة جميع شؤوني الدراسية وحتى الشخصية، حيث أنني لا أثق بسواها عندما يتعلق الأمر بالأشياء الدقيقة”. مراحل الدراسة كللت بنجاح في العمل ذكرت سليمة أن المرحلة الثانوية التي مرت بها لم تكن كالمراحل السابقة، من حيث الجهد المطلوب أوالتعامل مع الواقع، إذ تبين أنه فور دخولها المدرسة، اصطدمت بنظام المقررات الذي لا يرحم، بواقع غير مهيأ للمكفوفين، كما لم تكن تتوافر لديها الكتب بلغة برايل، أوآلة برايل نفسها، ما حتَّم على أهلها شراء الآلة لها لاحقاً. “بعد انتهائي من الجامعة بنجاح، مكثت في المنزل قرابة عام ونصف بانتظار الحصول على وظيفة مناسبة، وفعلاً تكلل جهد 16 عاماً من الدراسة، بالعمل في التدريس في ركن صغير اتخذته في بيتها لتعليم الصغار المكفوفين دون سن السادسة”، مذكرة أنها تمكنت من عمل مكتبة صوتية لها، يصل عدد الأشرطة فيها إلى 200 شريط، بما فيهم أشرطة المحاضرات والندوات في الجامعة. الصعوبات كثيرة والطموحات أكبر.. أشارت سليمة إلى أنها ألفت التعامل مع التقنيات التكنولوجية الحديثة على غرار الهاتف النقال والكمبيوتر، هذا الأخير الذي زودته بالمرفقات التي تمكنها من استخدامه، كآلة “بريل نوت”، التي توصل بالجهاز وتقوم بقراءة عناصر الشاشة، إضافة إلى برنامج “هال” الذي انتشر حديثاً، تقوم بالدور نفسه تقريباً، مبينة أن ذلك أتاح لها كذلك فرصة متابعة الصحف اليومية بشكل مستمر. وأضافت سليمة أن طموحها لا يقف عند هذا الحد، بل يتعداه لمواصلة مشوارها العلمي والتعمق أكثر فيه، إضافة إلى رغبتها في التعامل مع أطفال أكبر سنا من الذين تعنى بتدريسهم.