قد يكون العمل في المجال النفسي والاجتماعي لائق بالمرأة أكثر من الرجل لما تحمله من صفات عاطفية تجعلها الأنسب لأداء هذا الدور، غير أن تجسيد هذا العمل الاجتماعي بين قضبان الزنزانات وجدران السجون هو الأمر الذي ما يزال مستهجنا لدى المجتمع، وبالرغم من ذلك أصرت سهام ذات ال 35 ربيعا على تحقيق حلمها في علاج آلام السجينات وضغوطاتهن النفسية التي تولدها الحسرة، الندم واليأس. تحدت سهام العديد من الصعوبات التي واجهتها مع أهلها ومحيطها الرافضين لنوع العمل وظروفه، والعديد من العوائق في التعامل مع هؤلاء المحبوسات الرافضات لفكرة الطبيب النفسي أولا والتحدث والبوح بمكنوناتهن أيضا، ولكن بصبر كبير، إيمان وإصرار استطاعت تحقيق كثيرا من الإنجازات وهي لم تتجاوز الثلاثين من عمرها. تمردت على أهلها لتحقيق حلمها أن تكون عاملة اجتماعية بسجن النساء وهي في العشرينات من عمرها لم يكن أمرا هينا على سهام كحلوش، غير أن حبها لهذا المجال تحديدا ورغبتها في مساعدة النساء الضعيفات المحتجزات بتهم مختلفة الخطورة قصد التخفيف من معاناة الندم التي ترافق السجينة طيلة حياتها، ولمعالجة حالات المرض النفسي العميق الذي ينتج في مثل هذه الظروف جعلوا من حلم سهام يتحول إلى هدف يدفعها نحو الأمام قدما، وسببا آخرا ليمنحها القوة والصمود أمام العواصف والمفاجآت، ولم يكن كل هذا إلا نافذة تطل على حقل من إنجاز المهمات الصعبة، لكنها تقول أن رفض الوالد لهذا التخصص منذ الجامعة كان أكبر عائق في حياتها، حيث أصرت على موقفا ودرست في هذا المجال دون علم والدها الذي زاد رفضه للفكرة بعد إدراكه لتمرد ابنته ولم يقبل إلا بعد تدخل أفراد كثيرون من العائلة، وتضيف سهام قائلة: “لكن في الوقت نفسه، كانت أمامي صعوبات أخرى في تعاملي مع السجينات كون أغلبهن من النساء اللاتي اعتدن على حياة القسوة، القوة والوصول إلى أهدافهن بطرق قصيرة وملتوية، هذا إضافة إلى النظرة السلبية التي تنظر بها السجينات إلى أي فرد يأتي من خارج أسوار السجن ليحاول مساندتهن في محنتهن”. إرادة من حديد ودعم الأم عجل نجاحها “في الوقت الذي نظر فيه كل أفراد المجتمع إلى نوعية عملي نظرة شك وريبة، كما أنهم لم يؤمنوا بقدراتي على خوض هذا النوع من العمل، شعرت بدعم والدتي الذي غمرني بكل ثقة حيث أنها كانت ولا زالت المُشجع الأول لكل خطواتي”، هكذا أجابتنا سهام لدى استفسارنا عن أهم شخص دعمها في مشوارها، إضافة إلى فخرها بنفسها كونها لم تستسلم لإحباطات الغير رغم كثرتها، فمن جهتها تعتبر أن أكبر نجاح قد تحققه في عملها يكمن في السجينات اللاتي لم تعدن إلى وراء القضبان بعد قضاء فترة العقوبة بفضل العلاج الذي تلقينه على يدها، فهذا أكبر دليل على نجاحها وإيمانها الكبير بنفسها ومحبتها لعملها، وتضيف “العديد من المحبوسات خرجن من الظلمة إلى النور، ومن الوحدة إلى الانخراط في المجتمع، من العزوبية إلى الزواج والاستقرار، وهم بالتالي أصبحوا أفرادا ذوي قيمة اجتماعية كبيرة في المجتمع، وهذا أكبر هدف يمكن لي أن أطمع في تحقيقه”.