أجمع عدد من الناشرين والإعلاميين على إهمال الإعلام الجزائري في الآونة الأخيرة للشق الثقافي في تغطياته اليومية، حيث أصبحت الثقافة لا تحضى سوى بحيز ضيق من صفحات الجرائد ووقت الوسائل السمعية البصرية، وطالب الناشرون أن تُوجه الدولة دعمها إلى المكتبات بدل تدعيم دور النشر خاصة عن طريق التكوين، كما أشاروا إلى ضرورة إشراك كل من الكاتب، الباحث، الناشر والمكتبي دون إغفال الموزع في تفعيل حقيقي لسياسية صناعة الكتاب في الجزائر. اعترف المتدخلون خلال الندوة التي احتضنها فضاء الندوات المبرمجة على هامش الصالون الوطني التاسع للكتاب بقصر المعارض، أن كل الوسائل الإعلامية المكتوبة، أن الإشهار يقصي الثقافة حفاظا على مصالح مالية معينة، وعلى الرغم من دفاع البعض على تواجد الثقافة في الإعلام الحالي على غرار الصحفي حميد عبد القادر، الذي أقر بأن باب الاهتمام بالثقافة في الإعلام الجزائري لم يغلق بشكل نهائي، لكنه بالمقابل لم ينف تراجع هذا الاهتمام على العموم مشيرا إلى اختفاء الثقافة من صفحات الكثير من الجرائد الجزائرية، وشاطره الرأي الإعلامي إسماعيل يبرير من جريدة ”الوطن” الذي قال بأن الجريدة قد تكون مقصرة في الشق المتعلق بالأدب المكتوب بالعربية، لذلك يطغى الأدب الفرونكفوني على صفحاتها رغم أن الإبداع في الجزائر يعرف انتشارا بالعربية خاصة مع كُتّاب الجيل الحالي، مشيرا إلى أولوية الإشهار على الثقافة في مختلف الوسائل الإعلامية. كما تطرق أحمد بومدين، ممثلا عن دار الأمة، إلى السياسة التي تنتهجها الدولة في دعمها لدور النشر الجزائرية، وذلك بشراء الإصدارات مباشرة منها كما تفعل ذلك وزارة التربية التي تقتني متطلباتها من دور النشر دون المرور بالمكتبات وهذا ما يقصي -حسبه- دور المكتبات من سلسلة صناعة الكتاب، وتساءل المتحدث إن كان هذا التدعيم سليم أم كان أجدر بالدولة التفكير في شكل آخر لتدعيم سوق الكتاب؟ وأضاف بومدين زيادة على كون هذا الدعم غير كافي فإن هذه السياسة أدت إلى تقليص عدد المكتبات في الساحة الثقافية الجزائرية وإلغاء نشاطها باعتبارها حلقة هامة ضمن سلسلة إيصال الكتاب للقارئ، دون تجاهله للدور الكبير الذي تلعبه الأنترنت في إقصاء المكتبات من النشاط الثقافي، ناهيك عن تفادي الحديث عن الإنتاج المزدوج باللغتين العربية والفرنسية. أما أحمد ميلودي من دار الوعي فركز على عنصر الترويج في مجال الكتاب منبها إلى وجود فرق بين سياسة الكتاب في بداياتها التي كانت لصيقة بالإعلاميين ثم فجأة غابت هذه السياسة عن تأطير ميدان الكتاب، رغم إنفاق الكثير من الأموال لكنه إنفاق لم يحتكم على حد قوله إلى استراتيجيات مدروسة تأخذ بعين الاعتبار مستقبل النشر في الجزائر، وكشف أن سياسة التدعيم التي تعتمدها الدولة غير واضحة المعالم لأنها لا تستند لا إلى قوانين معينة ترسم حدود هذا التعامل ولا إلى دفتر شروط محدد، إلى جانب عدم إشراك كل الأطراف الفاعلة في حقل الكتاب من كتاب، ناشرين، باحثين، مكتبيين، موزعين وغيرهم من مؤسسي حلقات الوصل بين الكتاب والقارئ، ودعا من جهته إلى حتمية تدعيم المكتبيين عن طريق التكوين، لتفادي تكديس الإصدارات في مستودعات كل من المكتبة الوطنية ووزارة الشؤون الدينية كما هو حال كتب أنتجت منذ 2007 وهي أهم سلبيات الشراء المباشر للدولة من الناشرين.