أين صوت وزارة الخارجية الجزائرية مما يحدث اليوم في مالي؟ ولماذا لم تصدر أي بيان، لا بإدانة التدخل الفرنسي، ولا بتأييده؟ فالجزائر التي رفضت تدخلا أجنبيا في شمال مالي وعملت على إقناع الجميع من أجل تبني الحل السياسي، تلتزم اليوم الصمت، ولا تعلق على التدخل الفرنسي في المنطقة! فهل هناك اتفاقا ما تم في السر بين الجزائر وفرنسا أثناء زيارة هولاند الأخيرة، وأعطي هولاند الضوء الأخضر من الجزائر ليخوض هو الآخر حربه الإفريقية، مثلما فعل أسلافه قبله، فليس هناك رئيس فرنسي لم يسع لتحريك أزمة ما في إفريقيا، تماما مثلما تفعل أمريكا في الشرق الأوسط، وكأن الرؤساء الفرنسيين لن يكونوا رؤساء ما لم يخوضوا حربا إفريقيا. هولاند الذي زار الجزائر منذ ثلاثة أسابيع، يصر هو الآخر على التدخل في مالي، ويفتك لا أقول موافقة الجزائر، بل صمتها تجاه القضية، بعد أن ”أسكت” الجزائريين بشبه مشروع ”رونو”، وبنصف اعتراف بالمآسي التي خلفها الاستعمار، وبعد أن ضمن تدفق المال والنفط الجزائري على مؤسساته المفلسة، ها هو يتدخل في مالي، ويشعل بؤرة توتر أخرى على حدودنا، مثلما فعل سلفه ساركوزي في ليبيا. وهكذا تحوط الجزائر على كل حدودها بالنزاعات، من ليبيا إلى المغرب، وحتى تونس لا يمكن أن تعتبر حدودنا معها هادئة مع كل ما يحدث داخل التراب التونسي من أزمة حكم، ومن تهديد للأمن التونسي على يد التيارات السلفية. وهكذا يفتح هولاند جبهة جديدة على حدودنا الجنوبية، ويخلق أزمة أخرى من المتوقع أنها ستستقطب كل الجهاديين الهائمين في العالم، ليرتكزوا في شمال مالي باسم الجهاد ضد الطاغوت، ما قد يعرض بلادنا من جديد إلى نيرانهم، وتتفاقم الأزمة الأمنية من جديد، بعدما هزمنا إلى درجة كبيرة التيارات السلفية، التي لجأ بعضها إلى ليبيا وبعضها الآخر إلى السودان والعراق، وحاليا إلى سوريا. هولاند يعرف جيدا أن الأزمة المالية ستصل شرارتها إلى التراب الجزائري، ويدرك جيدا خطورتها على بلادنا، لكنه رغم عربون المودة الذي قدمته له الجزائر في زيارته الأخيرة، لم يتوان ولم يتراجع عن مخطط الحرب في مالي، مع أن أزمة الساحل افتعلتها الإدارة التي سبقته. ورغم انتقاداته للحروب التي خاضها سلفه في ليبيا، يواصل هولاند ما خططت له المخابرات الفرنسية في الساحل، لأن الأهم بالنسبة له أولا وأخيرا هو المصلحة الفرنسية.