على الجيش الفرنسي بشمال مالي أن يعود الآن أدراجه، ويدخل ثكناته، فلم يعد له هناك ما يفعله في شمال مالي، فالمهمة التي جاء من أجلها، لتطهير المنطقة من الجماعات الإرهابية التي أقامت الشريعة والحكم الإسلامي في شمال مالي قضي عليها، لكن من طرف الجيش التشادي الذي من دون أن يكون طرفا في التحالف العسكري الذي تقوده فرنسا بقرار أممي، تمكن من دك مواقع أبي زيد زعيم كتيبة طارق بن زياد، كما قضى على أخطر إرهابي وأكبر مهرب للبضائع والمخدرات، لعور، مختار بن مختار، زعيم كتيبة الملثمين التي كانت وراء الهجوم على قاعدة الغاز بتيغنتورين منتصف جانفي الماضي. لم يعد للجيش الفرنسي الآن من مبرر للبقاء في شمال مالي، اللهم إلا إذا كانت له نوايا خفية، غير تحرير شمال مالي من سطوة الإرهابيين الإسلاميين، كأن يقيم معسكرات تدريب لجنوده هناك في صحاري مالي، ولتدريبها على أغوار الصحراء وجبالها. وربما لهذا ترفض فرنسا الإقرار بالقضاء على بلمختار وتقول ”ننتظر نتائج تحاليل الحمض النووي”، مع أنه يكفي الكشف على عين الأعور، ليتأكد من جثته، فالرجل يحمل في جسده آثار حروبه الأفغانية، ولا حاجة لكل هذا الانتظار للتأكد من مقتله!؟ لكن من يعيد العلاقة بين سكان مالي إلى طبيعتها، بعدما عاث الجيش الفرنسي في المنطقة فسادا، وشجع على الحروب العرقية والطائفية في مالي، وتحولت الحرب الدائرة في شمال مالي من حرب على الإرهاب، إلى حرب عرقية بين عرب وسود وطوارق، حرب تحولت إلى تصفية عرقية، استهدفت أول من استهدفت عرب مالي، وراح ضحيتها المئات، ومع ذلك لم تثر اهتمامات الصحافة الدولية. لنعد إلى تفوق الجيش التشادي في تنقية شمالي مالي من أخطر العناصر الإرهابية، فهذه ليست المرة الأولى التي يوفق فيها الجيش التشادي في تعقب العناصر الإرهابية، إذ سبق لفصيل متمرد منه سنة 2004 وألقى القبض على البارا (عبد الرزاق صايفي) ثم سلمه إلى ليبيا والتي سلمته بدورها إلى الجزائر. وهذا دليل آخر على أن الحرب على الإرهاب، أو على مهربي المخدرات والمهربين بصفة عامة في منطقة الساحل ليست في حاجة إلى تدخل أجنبي. فالجيش الفرنسي في مالي لم يقم بأي إنجاز يذكر، ولذلك غابت صور بطولاته عن نشرات الأخبار. الحرب على هذه الآفة في منطقة الساحل يجب أن يقوم بها أبناء الساحل، مثلما كانت تدعو إلى ذلك الجزائر، لأنهم الأدرى بطبيعة المنطقة، وبالتوازنات الاجتماعية والقبلية، ولا بأس أن تساعد البلدان الأخرى بالوسائل والإمكانيات وبالمعلومات الاستخباراتية وبالأقمار الصناعية عن تحركات الجماعات الإرهابية، لأن التدخل الفرنسي في شمال مالي لم يعد إلا بالويلات، بتشجيعه على التصفية العرقية، وبضرب كل ما هو عربي هناك. لكن على ما يبدو لفرنسا أجندة أخرى في منطقة الساحل، أهم من القضاء على لعور وأبي زيد وغيرهما من الأسماء التي زرعت الرعب في منطقة الساحل طوال سنوات؟!