نحو توسيع صلاحيات مجلس المحاسبة والبرلمان وخلية الاستعلام المالي أجمع خبراء في الاقتصاد على ضرورة اتخاذ الحكومة جملة من الإجراءات الجديدة للقضاء على الفساد الاقتصادي الذي استفحل بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، مقترحين إعادة النظر في قانون الصفاقات العمومية من خلال معالجة الاختلال الموجود فيه، لاسيما وأن أغلب قضايا الفساد تأتي عن طريق الصفقات. قال خبير الاقتصاد فارس مسدور أن القضاء على الفساد في الجزائر يتطلب ضرورة انتهاج سياسة حادة من خلال إدخال تعديلات جذرية على قوانين العقوبات والصفقات، مؤكدا أن هذه الأخيرة تتضمن ثغرات قانونية تجعل المسؤولين والإطارات قادرين على استغلال بعض النقاط لارتكاب اختلاسات وسرقات دون أدلة وإثباتات. ودعا مسدور في تصريح ل”الفجر” إلى ضرورة اعتماد رقم أخضر للتبليغ عن المفسدين واستحداث خلية أمن جديدة متخصصة في قضايا الفساد الاقتصادي، لاسيما وأن هذه الظاهرة طغت على كافة القطاعات في الجزائر. من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول أن القضاء على الظاهرة يتطلب من الحكومة أن تكون حازمة من خلال مضاعفة عدد التشريعات الخاصة بمكافحة الفساد ورفع عدد القضاة والهيئات الخاصة بقمع المفسدين، إضافة إلى فرض رقابة مشددة على مداخيل ونفقات المؤسسات. وأضاف المتحدث في تصريح ل”الفجر” أن القضاء على الفساد يتطلب أن يكون على مستوى كل مؤسسة اقتصادية وهيئة حكومية لجنة محاسبة لمنع أية تجاوزات، مشيرا إلى أن قضاة مجلس المحاسبة لوحدهم غير كفيلين بالقضاء على النقاط السوداء على مستوى 17 ألف هيئة رسمية. وفي سياق ذي صلة، أكد عدد من الأساتذة الجامعيين أن إضفاء الشفافية في المعاملات التجارية والاقتصادية والمالية ومنح الاستقلالية التامة للقضاء وأجهزة الرقابة كلها عناصر من شأنها أن تساهم في الحد من ظاهرة الرشوة والفساد في المجتمع الجزائري، مبرزين أهمية ”تهذيب وأخلقة الحياة العامة” من خلال تحسيس المجتمع بضرورة حماية وصيانة المال العام والاعتماد على الكسب المشروع والابتعاد عن الرشوة بكل أشكالها. وأكدت فتيحة بن عبو، أستاذة بكلية الحقوق ببن عكنون، أن هناك عدة ميكانيزمات يمكن الاعتماد عليها لمواجهة ظاهرة الفساد في الجزائر التي ”انتشرت بصورة مفاجئة”، وتتمثل أساسا في منح الاستقلالية التامة للعدالة حتى تتحرك بسرعة في حال وجود شبهات بشأن تبديد المال العام. وتقترح الجامعية أيضا تطبيق عقوبات صارمة ضد كل شخص يثبت تورطه في قضايا الرشوة والفساد مهما كان منصبه ووزنه في المجتمع، كما أبرزت المتحدثة أهمية تفعيل دور البرلمان في حماية المال العام والمساهمة في عملية مكافحة آفة الرشوة والفساد. وفي هذا الصدد، تقترح منح صلاحيات واسعة لأعضاء لجان التحقيق البرلمانية للتحري في قضايا الفساد وتوفير الحماية الكاملة لهم، مبرزة أهمية جعل تقارير هذه اللجان إلزامية”. ومن جهته، أكد الخبير الاقتصادي محجوب بدة أن التعامل بوسائل ”الدفع العصري” كبطاقة الدفع الفوري المطبقة حاليا في العديد من دول العالم تقلل المعاملات ب”السيولة النقدية” ومن شأنها بالتالي المساهمة بصورة إيجابية في الحد من ظاهرة الرشوة والفساد. وأضاف بدة أن إعطاء صلاحيات واسعة لمؤسسات الرقابة أي مجلس المحاسبة والبرلمان وخلية الاستعلام للمال العام ومصالح الجمارك والضرائب والأمن سيسمح ب”التحكم في ظاهرة الرشوة والحد منها”. كما أوضح في نفس الوقت بأن ”إدخال إصلاحات على المنظومة المالية والمصرفية الجزائرية وتكثيف عملية مراقبة تنقل الأموال داخليا وخارجيا من شأنه أن يحد من انتشار آفة الرشوة وتبييض الأموال”. وبدوره يرى المحامي خالد برغل أنه لابد من إعادة النظر في أحكام التعديلات التي أدخلت على قانون العقوبات سنة 2006 والتي لم تحقق غرضها المنتظر في مجال مكافحة الفساد، ”بدليل تفشي ظاهرة الفسادة والرشوة في عدة مستويات”. وأضاف المحامي أن الوضع الحالي يتطلب ”تفعيل دور مجلس المحاسبة الذي شلت مهامه منذ 15 سنة كهيئة دستورية تلعب دورا هاما في مكافحة الفساد” وكذا المفتشيات العامة للوزارات.