ما زالت ”الفوضى الخلاقة” لم تخلق شيئا في العراق، وما زال ربيعه لم يزهر، رغم عشر سنوات من السقي بالدماء وبالتفجيرات، ورغم شنق الرئيس صدام حسين. لم تزدهر ديمقراطية العراق بعد، وانهزمت أمريكا ومخططها على هذه الأرض، التي تحولت خرابا، وانكشفت أكاذيب بوش وكشفت الحرب على العراق عن النوايا الحقيقية لأمريكا. أمس فقط هزت انفجارات متعددة العراق ودفع ككل يوم بعشرات القتلى، قتلى سقطوا وهم لا يدرون هل سيحسبون على الشهداء أم على مذبحة الخيانة التي لعبت بالعراق وساقته إلى المقصلة، وأعني بالخيانة كل من على شاكلة أحمد الجبلي الذي كان يتعاون مع إدارة بوش ويزودها بمعلومات كاذبة على السلاح الكيماوي والنووي المزعوم، وعلى مخاطر ودكتاتورية صدام حسين، طامعا في تنصيبه رئيسا للعراق. لم يتحول العراق إلى ديمقراطية نموذجية مثلما وعدنا به بوش، وغادرته القوات الأمريكية، تاركة وراءها دولة ممزقة وملايين الأيتام والأرامل، والقتلى، عراقا مفتوحا على القتل والطائفية والفساد، وتصفية الحسابات، ومرتعا لعناصر القاعدة. وبعد أن كان العراق موحدا على يد صدام الدكتاتوري، صار عراقا ممزقا، وبلا هوية، تتجاذبه الصراعات الطائفية. ولم يكتف الجنون العراقي بهدم تمثال صدام حسين، وشنقه، وإنما هدمت كل البنى التحتية في هذه البلاد التي كانت نموذجا يحتذى به في البلاد العربية في الحضارة والفكر، ونموذجا في التعليم والبحث العلمي، وفي مستوى الخدمات المقدمة لسكانه. بعد عشر سنوات من ”النعمة” الأمريكية على العراق، نشرت الخارجية الأمريكية أول أمس لائحة تحذر من خلالها رعاياها من الدول الأكثر خطورة في العالم، وحلت العراق على رأس القائمة. طبعا لن تخجل أمريكا من هذه الحقيقة، ومما ألحقته من ضرر بالعراق، فقد وصلت إلى النتيجة التي خططت لها؛ إضعاف أية قوة تظهر في الشرق الأوسط ضمانا لأمن وسلامة إسرائيل!؟ أما العراق فقد زرعت فيه عيونها وآذانها باحتفاظها ب16 ألف عون أمن ومتعاقد، ورأس مخرب، لتضمن ألا تقوم للعراق قائمة بعد صدام! الأكيد أن هناك في العراق اليوم من يحن إلى زمن صدام، بل من هو نادم اليوم ليس على صدام نفسه، وإنما على الأمن والأمان الذي كان يسود مدن وقرى العراق. لكن ماذا يفيد اليوم اعتراف هانز بليكس، الذي قاد فريق تفتيش دولي على أسلحة الدمار الشامل المزعومة، بأن الحرب على العراق كانت خطأ فادحا، وأنها كانت مخالفة لمواثيق الأممالمتحدة، وبدل أن يحول العراق إلى قاعدة صديقة لأمريكا، التي تتدخل منها لغزو إيران، ها هو يتحول إلى عمق لإيران، إيران التي لم تكن تحلم يوما بأن يكون لها هذا الدور في العراق، وأن يتحول عدو الأمس، حليفا اليوم وأرض لمعركة مفتوحة مع أمريكا. اختفى العراق الدكتاتوري، ليتحول شيئا فشيئا اليوم إلى عراق الفوضى والاستبداد، مفتوحا لكل المغامرين. ومع ذلك ما زالت أمريكا تلوح به نموذجا لدول الربيع العربي...