رب عملية اختطاف نافعة، ذلك أنه بقدر ما أن الضرر النفسي لمصر الشعب والقيادة كان ثقيلا جراء اختطاف ثلاثة شرطيين وأربعة جنود مصريين عاملين في إحدى محافظتي شبه جزيرة سيناء يوم الخميس 16 مايو (أيار) 2013، فإن النفع الذي أفرزته الضرورات أثلج ولو لبعض الوقت صدور الشعب المصري الذي فرضت عليه معاهدة السلام التي أبرمها الرئيس (الراحل) أنور السادات مع إسرائيل الرضا لاستعادة سيناء الأرض إنما من دون أن يكون من حق الجيش المصري الوجود فيها كما وجوده في سائر بقاع الوطن. ومنذ ذلك الإبرام الملتبس والنفس المصرية الكاتمة ضيقها منشطرة بين ارتياح لأن المعاهدة أنهت خيار الحرب والاستنزاف التسليحي، وانقباض لأن السيادة على سيناء غير مكتملة لجهة الوجود العسكري الطبيعي. ثم تأتي عملية الاختطاف التي ينطبق عليها القول المأثور ”رب ضارة نافعة” لتبعث الارتياح في النفوس وبالذات عند رؤية الآليات العسكرية المحملة بألوف الجنود تشق الطريق إلى سيناء، ويترافق مع هذا التحرك العسكري اللافت كلام من قادة عسكريين يلمس سامعوهم مدى حرقة قلوب هؤلاء لأن سيناء لهم وليست لهم في الوقت نفسه. من منافع الضرر الناشئة عن عملية الاختطاف أن الآليات المرفقة بألوف الجنود ستمكث طويلا في أرض سيناء، ليس لأن مهمتها تنتهي بإنجاز تحرير العسكريين السبعة، وإنما لأن العودة إلى نقطة انطلاقها سيشكل نكسة معنوية وسيعني أن مصر خالفت حظر الوجود العسكري المصري الطبيعي في سيناء بموجب معاهدة السلام وأن ما تفرضه الضرورات لا يعني تحويله إلى أمر واقع. من منافع الضرر أيضا أن المؤسستين مؤسسة الرئاسة المتشققة حتى إشعار آخر أو وفاق يوحد الصف والمؤسسة العسكرية الصابرة على القال والقيل فيها التقتا على خطوة هي لمصلحة الجانبين، ذلك أن عدم تحرير العسكريين السبعة إحراج ما بعده إحراج للمؤسسة التي طالما دأبت مصر غير الإخوانية على مناشدتها القيام بدور لتحقيق استقرار لا يتحقق في ظل القيادة الإخوانية للبلاد. كما أن عدم تحرير العسكريين السبعة يشكل المزيد من الاستضعاف للقيادة الإخوانية. ثم تلتقي المؤسستان على مصلحة مشتركة قضت بالذي حدث. وخير تجسيد لهذا التلاقي يتمثل بالصورة التذكارية التي التقطت للرئيس مرسي ولوزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي والفريق صدقي صبحي رئيس الأركان يحيط بهم العسكريون السبعة خلال استقبال الرئيس لهم في قاعدة ألماظة الجوية في ضاحية مصر الجديدة (شرق القاهرة). من منافع الضرر أيضا وأيضا أن اختطاف العسكريين السبعة وما قيل في نوعية الأسلحة التي في حوزة الخاطفين وفي مخازن الجماعة التي ينتمون إليها، نبه خير تنبيه الرئيس محمد مرسي إلى مسألة يعاني منها لبنان واضعة الوطن الصغير المستصغر أحيانا على مشارف الانهيار ونعني بها مسألة السلاح خارج الأيادي الرسمية أي في حوزة جيش البلاد فقط. وكان التنبه واضحا في كلمته التي ألقاها بعدما رحب شخصيا بالعسكريين السبعة كلاما وعناقا وبدت عبارات محددة في كلامه كمن يقولها لكي يسمعها آخرون وبالذات في لبنان وغزة من المصلحة لهم ولوطنهم وللشعب سماعها والأخذ بها، بدل استحداث ”دولة داخل الدولة” في لبنان و”سلطة ضد السلطة” في غزة. والعبارات هي: ”أدعو أبناء سيناء ممن لديهم سلاح إلى تسليمه، فالسلاح لا بد أن يكون مع السلطة فقط متمثلة في القوات المسلحة والداخلية. من معه سلاح عليه تسليمه، فالقانون فوق الجميع والوطن فوقنا جميعا..”. أيا كانت طبيعة سيناريو عملية استعادة العسكريين السبعة المخطوفين وحتى إذا كانت على قاعدة السلامة المتبادلة؛ سلامة المخطوفين والخاطفين، فإن التأني الرسمي السياسي والعسكري على النحو الذي ارتأى الرئيس محمد مرسي ووزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي اعتماده يبقى أهم بكثير من السلوك المتعجل الذي اعتمده على سبيل التذكير الرئيس الأميركي باراك أوباما وانتهى إلى مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن يوم 2 مايو (أيار) 2011 على بعد 120 كيلومترا عن العاصمة الباكستانية إسلام آباد، ومن السلوك الذي اعتمده الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عافاه الله في عملية إنقاذ الرهائن في موقع الشركة النفطية قرب ”عين أميناس” جنوب شرقي الجزائر يوم الجمعة 18 يناير (كانون الثاني) 2013، ومن السلوك الذي اعتمده الرئيس بشار الأسد عندما لم يأخذ بالروية حالة الاحتجاج الشعبي في درعا يوم الثلاثاء 15 مارس (آذار) 2011 فتحولت سوريا في ظل رئاسته لها إلى جهنم خلال سنتين ومن دون أن تكون هنالك إمكانات لإطفاء نار الغضب في نفوس الذين غادروا هجرة أو تهجيرا وفي نفوس الذين انتهوا لاجئين في خيام شأنهم في ذلك شأن الفلسطينيين الذين يقاسون للعام الستين على التوالي في مخيمات اللاجئين. وبالعودة إلى ما بدأناه وفي ضوء الأسلوب المصري والأسلوب الأميركي والأسلوب الجزائري وبينهما الأسلوب البشاري المفتقد إلى الحكمة والحنكة، وكذلك عند التأمل في تداعيات أساليب الثلاثة يتبين لنا مدى الضرر الذي لحق وما زال بعهود كل من الرئيس أوباما والرئيس بوتفليقة والرئيس بشار وكيف أن الرئيس محمد مرسي بالأسلوب الذي اعتمده أبعد عن عهده المرتبك أصلا ورئاسته المتشققة مخاطر شر تصيب المجتمع المصري. وكل الذي فعله هو أنه ربما أصغى إلى ما رآه بعض شيوخ قبائل سيناء ونصح به حمساويو غزة فتعاطف ضمنا مع إسلاموية الخاطفين كونه إخوانيا والإسلاموي هو أخو الإخواني وإن تقاطعت الرؤية ولم يستنسخ أسلوب السادات رئيس ”دولة العلم والإيمان” في تحرير الطائرة المصرية المختطفة إلى قبرص، كما أنه لم يعتبر أن رأيه هو الصواب ولا مجال لرأي الآخرين. أما الرؤساء الثلاثة فإنهم كانوا كما الرئيس السادات من المعجبين برأيهم فقط المكتفين بما يدور في عقلهم فقط. ولذا ضلوا وزلوا.. أو أنهم على الطريق.