تشبه الدورة الثامنة لمهرجان المسرح الوطني هذه السنة حال الجزائر تماما، بلاد تمضي إلى ”الفوضى” بلا رئيس، ومهرجان يكرس ”رداءة العرض” بلا مدير، إذ لم يظهر ”محمد بن قطاف” مدير المسرح الوطني طوال أيام المهرجان، لم يفتتح ولم يختتم... بل قرر إمضاء أوراق وفواتير الدورة من منزله، لأنه على شفى (...) تماما كما يفعل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من مستشفى فال دو غلاس.. فهل نعيش في وطن لا يعترف بالمرض؟ ولا يتنازل عن الإمضاء إلا عند الموت؟؟ بالتأكيد نتمنى الشفاء ل بن قطاف ولكن هل سيشفى المسرح من هذا الخراب الذي أكدته الدورة الأخيرة. ”أنا مندهش من هذا الجمهور، كيف يمكنه أن يحضر إلى عروض متفاوتة المستوى.. ويصبر على العروض وكأنه ينتظر أمرا أخر غير الفرجة الجميلة والمتعة التي قد يقدمها له عرض متكامل، طوال أيام وجودي هنا بالجزائر وفي كل مرة أسأل نفسي هذا السؤال، ما الذي يجبر الجمهور على ذلك؟؟ في الأخير عرفت أن هذا الجمهور تواق للحرية، يريد من العرض أن يعكس حريته، ولا يهمه المضمون، بل وأحيانا يضحي بذائقته من أجل أن يرى تجسيد الحرية على الركح.. أنا أكبر هذا في الجمهور الجزائري، وأراهن على أن استمرار المهرجان سيجعل الحياة تدب من روح إلى روح، ومن جسد إلى جسد، ومن رحم إلى رحم..”هذا ما قاله لنا المسرحي العربي جواد الأسدي، وهو في كامل حيرته، لكنه وبحس عربي مكثف وبرؤية فنان مرهفة قدم لنا تبريره الخاص وهو ”التواق للحرية” فهل يمكن لنا أن نفسر الرداءة كما يفسرها فنان؟؟ المسرحية الموضوعية.. بؤس المنطلق: قدم المهرجان هذه السنة 17 مسرحية داخل المنافسة كلها مشدودة إلى حبل الثورة والخمسينية، على أساس احتفالي نمطي، وعليه سقطت جميع العروض في فخ الخطاب التاريخي الموجود في الجزائر بالأساس ضمن عدد من الأبواق المماثلة والتي لم تتخلص من فكرة تقديم التاريخ بحسب رؤية توجيهية إرشادية تعليمية، مثلما هي المقررات الدراسية التي لا تنفك تتحدث عن التاريخ بصورة محدودة ومحسومة، وعليه جاءت العروض على هذه الشاكلة، مثل مسرحيات أخر السنة لتلاميذ المدارس الابتدائية والمتوسطات، الاستعانة بالأغاني الثورية والتي لها وقعها الحميمي، والعودة إلى فكرة التضحية والشهادة في سبيل الوطن، وكذا سخط فرنسا وظلمها.. كل هذا أعاده المسرح هذه السنة، بدون مراعاة القيمة الفنية والتاريخية للنصوص، كان يمكن أن نحتفي بالخمسينية من خلال العودة إلى ثلاث أو أربعة مسرحيات راقية لعلولة أو مصطفى ياسين أو مجوبي أحسن بكثير من كل هذا الخراب.. لأن تحديد الموضوع هو ضيق سيفرض على المسرحي نمطية لا يمكنه تغيرها خاصة وأنها لم تتغير منذ خمسين سنة في كافة المجالات الفنية الأخرى، والدليل انه يصعب علينا مثلا إيجاد صورة تشكيلية ثورية مثلا، هناك بالتأكيد بعض الأعمال الموسيقية الثورية الجميلة ولكن لا يوجد لدينا ملاحم جميلة، وكل التجارب الاستعراضية السابقة تشبه الغوغاء والتهريج.. لذا من الصعب على المسرح وفي هذا الوقت بالذات أن يجد خطا مغايرا للثورة وللتعبير الفني عن الثورة يمكنه أن يصنع الفرق مع كل ما هو موجود. مسرحيات.. ومسرحيات محتلة في زمن الاستقلال: ”نحن نملك المال.. فأين المسرح” بهذه العبارة عبر الكثير من المثقفين عن حال العروض هذه السنة، مؤكدين أن السنوات السابقة كانت تحمل عروضا أجمل لاسيما من طرف المسارح الجهوية على غرار مسرح سيدي بلعباس الذي طالما أمتعنا، مسرح قالمة من جانبه قدم لنا مسرحية ”مأساة على أرض العوسج” لسعيد دراجي من إخراج خيزر احميدة والتي عاد فيها إلى أحداث ”ساقية سيدي يوسف” سنة 1958 والتي وصلت فيه الفظاعة إلى وضع ملصقة إشهارية كخلفية للمسرحية وبالتالي لم نر مسرحا وإنما إضافات، مؤثرات، إضاءة، وأصوات راوية.. اللوحات الكوريغرافية كذلك صارت ضجيجا ورؤية إخراجية أقل ما يقال عنها أنها تحاول تأثيث الفراغ السردي. كذلك قدم مسرح قسنطينة مسرحية ”الكلمة”برؤية جديدة رغم أن العرض الأول لهذه المسرحية كان سنوات ال80، ومنذ الثمانيات ذاته الخطاب الموجه للطبعة الشعبية، وللنمطية المعتادة عن طريق العودة إلى قرية قدمت الكثير للثورة ولكنها لم تستفد من خيرات الاستقلال، الراوي هو بن شهيد، يتحدث مع المختار المجاهد الذي يعيده إلى سنوات حرب التحرير، ليقول لنا في النهاية أننا في 2012 والقرية لا تزال بلا مساعدات ولا تنمية والضاوية ابنة الشهيد لا تزال خرساء بعد فقدانها للوالد والحبيب في حرب التحرير، فهل يعقل هذا؟؟ لابد من مراعاة الحيز الزمني.. علينا بالإمساك بخيط منطقي.. ذات الأمر كان في مسرحية أمسية في باريس لمسرح أم البواقي، والقصبة 1930 لبجاية، الأمر ذاته بالنسبة لمسرح باتنة، من خلال عرضها ”الصوت” إخراج و سينوغرافيا علي جبارة، وكذا الممثل المحوري الذي تقمص دور احمد المرعوش، الذي عذبه الاستعمار الفرنسي وبالتالي لدينا كل تيمات المواضيع الممكنة للثورة من تعذيب وجنون وتضحيات وكل ما يمكن توقعه.