رغم انطلاق موعد الدخول الاجتماعي بداية من الفاتح سبتمبر ككل سنة، إلا أن الإدارات الجزائرية لا تزال حسبما يبدو ”غارقة في سباتها الذي دخلت فيه منذ رمضان الفارط”، فلغاية يوم أمس بقيت مختلف مقرات البلديات، ومكاتب البريد والمستشفيات تشهد حالة من الخمول والفوضى، في صورة سلبية أصبحت تتكرر في السنوات الأخيرة مع كل مطلع عودة اجتماعية. قضت أمس ”الفجر” يوما كاملا بين أرجاء هذه المقرات بالعاصمة، لتطلع على مدى استعادة النشاط الاجتماعي في الإدارات والمكاتب. أول وجهة لنا كانت بلدية سيدي امحمد، حيث ارتأينا أن نبدأ منها جولتنا ونطلع على ظروف الاستقبال والتعامل مع المواطنين. وبمجرد ولوجنا البلدية، وقفنا على طوابير طويلة ومشاهد ألفناها وتحولت إلى روتين في يوميات الجزائري، غير أن الذي يشد الانتباه هو شغور المكاتب من موظفيها، فعدد كبير منهم يجلسون في مكتب واحد وكأنهم اجتمعوا من أجل القيام بعمل واحد، وهو المصادقة على الوثائق، في وقت كانت المكاتب الأخرى تشهد طوابير طويلة، أغلب الواقفين فيها شيوخ وعجائز. غادرنا البلدية على حديث شيخ التقيناه هناك عندما قال ”هناك صنفان من الموظفين، من يذهب للعمل والكسب الحلال، وآخر يذهب للجلوس في مكان العمل وتمضية النهار بين المكاتب وتبادل أطراف الحديث”. الاستقبال منعدم والفوضى تطغى يعد توفير الخدمة الجيدة للمواطنين بمختلف المؤسسات العمومية والهيئات الإدارية آخر ما قد يتطلع إليه المواطن الوافد على هذه المقرات، فالاستقبال منعدم وفوضى عارمة تعرفها هذه الهيئات، ناهيك عن الطوابير الطويلة التي صنعت مأساة المواطنين الذين أجبروا بحسبهم على تحمل تهاون الموظفين الذين فضلوا التقيد بنظام الحد الأدنى من الخدمة عوض الالتزام بواجبهم إزاء المواطن. دخلنا مكتب البريد المتواجد بمحاذاة ساحة أول ماي، وأول ما يشد نظرك العدد الهائل من المواطنين وغالبيتهم من الشيوخ الذين تقاضوا أجورهم منذ أيام، ولم يتمكنوا من تحصيلها بسبب الانقطاعات المتكررة في الشبكة والعدد الهائل للمواطنين. وكالعادة عدد كبير من المكاتب شاغر، ويقابله عدد قليل من الموظفين أمضوا وقتهم في التنقل بين المكاتب وتبادل أطراف الحديث، ناهيك عن سلوك جديد لم نألفه في مكاتب البريد، فكل موظف يريد أن يمرر شخصا يعرفه قبل الآخرين. ”الفجر” وقفت على إحدى هذه الحالات وبطلها موظف، كثيرا ما ألح عليه أحد الشيوخ الذي كان يقف بجانبي التكفل به بسبب وجود عدد كبير من المواطنين، وقال له بالحرف الواحد إن له ابن في السجن ويحاول أن يرسل له مبلغا من النقود. الموظف قال له إنه لا يعمل وأنه في عطلة. فرد الشيخ ”إذاً ماذا تفعل هنا إن كنت في عطلة؟”، لكن الموظف تجاهله ونادى على صديق له أو قريب يدعى ”بوعلام” وطلب منه بطاقة التعريف، وبمجرد أن قام له بالعملية التي يرغب فيها، خرج مباشرة من مكتب البريد. المؤسسات الصحية لا تزال صائمة! واصلنا جولتنا الاستطلاعية، ووجهتنا هذه المرة كانت مصلحة حماية الأمومة والأطفال بعيادة متعددة الخدمات، في السابق كانت تعرف توافد عددا كبيرا من النساء الحوامل عليها، لكن هذه المرة بدا لنا الأمر مخالفا لسابقه، وظننا أن ظروف الاستقبال تحسنت، لكن لما اقتربنا أكثر، وجدنا أن الموظفات يغلقن الباب في وجه المريضات ويرفضن استقبالهن ولو قصد الاستعلام، ويتحججن بغياب من يتكفل بهن من أطباء وقابلات، رغم أن الساعة كانت تشير إلى منتصف النهار فقط. أما بقسم الاستعجالات بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا، فالوضع، كما تعود المواطن على مشاهدته طيلة أيام السنة، من نقص في الأدوية وانتظار لساعات قبل إجراء الفحوصات، أما ما زاد الطين بلة خلال هذه الأيام الحارة فهو النقص الفادح في اليد العاملة خاصة المتخصصة منها، بعد خروج العديد من الدكاترة في عطلة، ولم يعد المريض يجد سوى المتربصين والمتخرجين الجدد. أحد المرضى قال ”كل شيء في هذا القسم يتغير نحو الأسوأ، فلا أحد يعير المريض اهتماما، واليوم بعد أن قطعت مسافة طويلة للالتقاء بالطبيب وجدته في عطلة”، أما آخر كان برفقة ابنه، فقال ”كما جرت العادة نحن ننتظر دورنا وسط فوضى لم نجد لها حلا رغم الأحداث المؤسفة التي أصبح هذا القسم يشهدها في كل مرة”.