تشهد مختلف مقرات البلديات، مكاتب البريد والمستشفيات، منذ بداية شهر رمضان، حالة من الخمول والفوضى، في صورة سلبية تتكرر مع كل شهر صيام.. ''الجزائر نيوز'' قضت يوما كاملا بين أرجاء هذه المقرات في كل من العاصمة، تيزي وزو، قسنطينة وعادت بصور لسلوكات سلبية أصبحت لصيقة بالجزائريين خلال هذا الشهرالفضيل.. أول وجهة لنا كانت بلدية سيدي امحمد، حيث ارتأينا أن نبدأ منها جولتنا ونطلع على ظروف الاستقبال والتعامل مع المواطنين، بمجرد ولوجنا البلدية، وقفنا على طوابير طويلة ومشاهد ألفناها وتحولت إلى روتين في يوميات الجزائري، غير أن الذي يشد الانتباه هو شغور المكاتب من موظفيها، فعدد كبير منهم يجلسون في مكتب واحد وكأنهم اجتمعوا من أجل القيام بعمل واحد، فقد اجتمعوا في مكتب المصادقة على الوثائق، في وقت كانت المكاتب الأخرى تشهد طوابير طويلة، أغلب الواقفين فيها شيوخ وعجائز... غادرنا البلدية على حديث شيخ التقيناه هناك عندما قال ''هناك صنفان من الموظفين، من يذهب للعمل والكسب الحلال، وآخر يذهب للجلوس في مكان العمل وتمضية النهار بين المكاتب وتبادل أطراف الحديث . دخلنا مكتب البريد المتواجد بمحاذاة ساحة أول ماي، الساعة كانت تشير إلى منتصف النهار و02 دقيقة، أول ما يشد نظرك العدد الهائل من المواطنين غالبيتهم من الشيوخ الذين تقاضوا أجورهم منذ يومين ولم يتمكنوا من تحصيلها بسبب الانقطاعات المتكررة في الشبكة والعدد الهائل للمواطنين، وكالعادة عدد كبير من المكاتب شاغر ويقابله عدد قليل من الموظفين أمضوا وقتهم في التنقل بين المكاتب وتبادل أطراف الحديث، ناهيك عن سلوك جديد لم نألفه في مكاتب البريد، فكل موظف يريد أن يمرر شخصا يعرفه قبل الآخرين، ''الجزائر نيوز'' وقفت على إحدى هذه الحالات وبطلها موظف، كثيرا ما ألح عليه أحد الشيوخ الذي كان يقف بجانبي التكفل به بسبب وجود عدد كبير من المواطنين وقال له بالحرف الواحد أن له ابن في السجن ويحاول أن يرسل له مبلغا من النقود، الموظف قال له إنه لا يعمل وأنه في عطلة، فرد الشيخ إذا ماذا تفعل هنا إن كنت في عطلة، لكن الموظف تجاهله ونادى على صديق له أو قريب يدعى ''عاشور'' وطلب منه بطاقة التعريف، وبمجرد أن قام له بالعملية التي يرغب فيها، خرج مباشرة من مكتب البريد. الاستقبال منعدم والفوضى تطغى على الهيئات الإدارية والمؤسسات العمومية بتيزي وزو يعد توفير الخدمة الجيدة للمواطنين بمختلف المؤسسات العمومية والهيئات الإدارية آخر ما قد يتطلع إليها مواطنو مدينة تيزي وزو الوافدون على هذه المقرات خلال شهر رمضان، فالاستقبال منعدم وفوضى عارمة تعرفها هذه الهيئات، ناهيك عن الطوابير الطويلة التي صنعت مأساة الصائمين الذين أجبروا بحسبهم على تحمل تهاون الموظفين الذين فضلوا التقيد بنظام الحد الأدنى من الخدمة عوض الالتزام بواجبهم إزاء المواطن. ''القلق، الشجار، تبادل التهم، المشادات الكلامية، الجلوس على الأرض، السخط، التذمر، اللهم إني صائم''، كلها مشاكل وقفت عليها ''الجزائر نيوز'' خلال جولتها الاستطلاعية التي قامت بها، أمس، ببعض الهيئات الإدارية والمؤسسات العمومية بمدينة تيزي وزو، فهذه سلوكات سلبية تتكرر سنويا، ولكن بحدة أكثر وأشد في شهر رمضان، حيث يقف من ورائها المواطن الصائم الغاضب والحائر أمام الموظف الإداري الصائم هو الآخر الذي يريد إنهاء ساعات عمله بأقل مجهود دون أن يولي أي اهتمام لانشغالات المواطن . فالنقطة الأولى التي توجهنا إليها في جولتنا، كانت مصلحة الحالة المدنية ببلدية تيزي وزو، التي شهدت في السابق عدة مشاكل بسبب الطوابير الطويلة، لكن هذه المرة وجدنا المواطن بشكل آخر وبحدة أكثر من السابق، حيث يسيطر عليه الغضب والقلق الباديين على وجوه المواطنين الثائرين على الأعوان الإداريين الذين اتهموهم بالتهاون في عملهم، ''بوعلام'' أحد مواطني بلدية عين الحمام الذي قدم إلى هذه المصلحة بغرض استخراج وثائق إدارية، قال ''قطعت مسافة 07 كم قصد استخراج وثائق إدارية وفي ساعة جد مبكرة، ولكن للأسف الشديد عدم مبالاة الموظفين أجبرني على العودة دونها''، أما الأمر الثاني الذي شد انتباهنا أكثر ونحن نتواجد بالمكان ذاته، هي المشادات الكلامية الحادة التي وقعت بين أحد أعوان البلدية وأحد المواطنين بعدما رفض الموظف تصحيح الخطأ الذي ارتكبه أثناء ملئه لوثيقة شهادة الميلاد الأصلية، مطالبا إياه بإعادة الانتظار في الطابور من جديد، الوضع الذي لم يتحمله المواطن الذي كاد أن يقدم على كسر زجاج نوافذ المكان وصرخ في وجه قائلا له ''إنني لست مجبرا على تحمل مسؤولية أخطائك''. غادرنا مصلحة الحالة المدنية متوجهين هذه المرة إلى أحد مكاتب البريد المتواجدة بعاصمة جرجرة ..المشهد يكرر نفسه ثانية، خصوصا مع تزامن هذه الفترة مع صرف رواتب العمال ومنح المتقاعدين، فالجلوس على الأرض والطوابير الطويلة والصراخ والمشاكل الأخرى الناجمة، على حد تعبير المواطنين، عن تهاون الموظفين الذين يكتفون بتقديم أدنى حد من الخدمة والاهتمام بأمور لا علاقة لها بالشغل، مظاهر سيطرت على هذا المكتب، وفي هذا الصدد صرح أحد المواطنين ''انتظرت ما يقدر بساعتين دون حصولي على الخدمة التي أريدها''، متهما بذلك موظفي البريد ''الموظفات يهتمن بتبادل طرق تحضير أطباق رمضان عوض تقديم خدمات للمواطن'' . واصلنا جولتنا الاستطلاعية ..وجهتنا هذه المرة كانت مصلحة حماية الأمومة والأطفال بعيادة متعددة الخدمات بمدوحة، في السابق كانت تعرف توافد عدد كبير من النساء الحوامل عليها، لكن هذه المرة بدا لنا الأمر مخالفا لسابقه، وظننا أن ظروف الاستقبال تحسنت، لكن لما اقتربنا أكثر، وجدنا أن الموظفات يغلقن الباب في وجه المرضى ويرفضن استقبالهم ولو قصد الاستعلام، حيث يتحججن بغياب من يتكفل بهن من أطباء وقابلات، رغم أن الساعة كانت تشير إلى منتصف النهار فقط. المؤسسات الخدماتية بقسنطينة... صائمة؟ صامت العديد من المؤسسات الخدماتية بقسنطينة عن استقبال زبائنها مثلما جرت عليه العادة في أيام الإفطار، حيث وجد مرتادو مراكز البريد أنفسهم أمام مكاتب شاغرة، بينما وقف طالبو خدمات قسم الاستعجالات على وضع زاد غياب الأطباء والمختصين من حدة الفوضى التي يعيشها على مدار السنة، في حين تحولت البلديات إلى شبه محاشر اختلط فيها الحابل بالنابل وتاه المواطن بين أروقتها بحثا عن مطبوعات لا أثر لها، وأعوان خرج السواد الأعظم منهم في عطلة ''منذ ثلاث ساعات وأنا أنتظر دوري للحصول على منحة التقاعد.. جميع المكاتب شاغرة ولا أحد يهتم لمعاناتنا بالرغم من أننا صائمون ومرضى.. في السابق كنا نجد صعوبات في الحصول على الأدوية وننتظر لساعات في طوابير طويلة قبل مقابلة الطبيب، لكن اليوم لم نجد أي أحد في استقبالنا.. منذ سنوات ونحن نعاني من مشكل غياب المطبوعات وننتظر لساعات قبل الحصول على شهادة، لو كانت تباع لاشتريتها مهما غلا ثمنها ولا أتحمل الذل الذي أجده كلما انتقلت إلى البلدية لاستخراج وثيقة سواء كانت بسيطة أو تتطلب التأشير عليها من المير'' . هذه هي التصريحات التي جمعتها ''الجزائر نيوز'' خلال الجولة الميدانية التي قادتها، صباح أمس، إلى بعض المؤسسات الخدماتية بوسط مدينة قسنطينة، وأول ما شد انتباهنا كان البريد المركزي الذي لم يستطع استيعاب العدد الكبير من الزبائن واضطرار الكثير للوقوف في طوابير طويلة من أجل سحب مرتباتهم ومعاشاتهم، الأمر الذي تسبب في إغماءات للبعض، واضطر آخرين لافتراش الأرض في انتظار دورهم. وفي ذات السياق، قال أحد المتقاعدين ''منذ التاسعة صباحا وأنا أنتظر دوري أمام مكتب فارغ، قال عون الأمن أن سبب شغوره راجع إلى أن المكلف به في عطلة وأنه علينا انتظار وصول موظف آخر تم الاتصال به لاستخلاف زميله، وأضاف آخر ''الخدمات بمراكز البريد أصبحت لا تحتمل وبالرغم من الشكاوى التي تقدمنا بها في العديد من المرات، إلا أن الأمور بقيت على حالها، بل وزادت حدتها منذ حلول شهر رمضان وخروج العديد من العمال في عطلة''، أما شيخ آخر فقال ''أنا أعاني من مرض القلب ومنذ الساعات الأولى من الصباح وأنا أنتظر لسحب معاشي إلا أن ذلك لم يحدث بالرغم من مرور أزيد من ساعتين، وحسب ما أرى فأنا سأنتظر كثيرا قبل وصول دوري''. وعن سبب هذه الوضعية، قال أحد أعوان الاستقبال بذات المركز ''سبب الاكتظاظ يعود إلى نقص في اليد العاملة بعد خروج العديد من العمال في عطل، السواد الأعظم، منها مرضية بعد أن وضعت إدارة المركز برنامج عطل وجد فيه الكثيرون أنه مجحف في حقهم خاصة النساء، ولذلك قرر بعضهم اعتماد خطة العطلة المرضية للهروب من الضغط والركون إلى الراحة خاصة وأننا في شهر الصيام، أما فيما يتعلق بالسيولة المالية فهي متوفرة''، والوضع لا يختلف بالقطاع الحضري القنطرة، حيث كان العديد من المواطنين ينتظرون استلام الشهادات التي طلبوها ولو أن معاناة المواطنين قلت حدتها بعد تعميم نظام الإعلام الآلي، إلا أن الوضع عاد إلى سابق عهده بمجرد حلول شهر رمضان وخروج العديد من الأعوان في عطلة وتحول اهتمام المسؤولين إلى توزيع قفة رمضان على مستحقيها. أحد المواطنين قال ''لقد تنفسنا الصعداء بعد أن تم تعميم نظام الإعلام الآلي، لكن على ما يبدو الأمور لن تتغير وستبقى على حالها بدليل أننا لا زلنا ننتظر لوقت طويل من أجل استخراج أبسط الوثائق''. أما بقسم الاستعجالات بالمستشفى الجامعي ابن باديس، الوضع، كما تعود المواطن على مشاهدته طيلة أيام السنة، من نقص في الأدوية وانتظار لساعات قبل إجراء الفحوصات، أما ما زاد الطين بلة خلال شهر الصيام هو النقص الفادح في اليد العاملة خاصة المختصة منها بعد خروج العديد من الدكاترة في عطلة، ولم يعد المريض يجد سوى المتربصين والمتخرجين الجدد، أحد المرضى قال ''كل شيء في هذا القسم يتغير نحو الأسوأ، فلا أحد يعير المريض اهتماما، واليوم بعد أن قطعت مسافة طويلة للالتقاء بالطبيب وجدته في عطلة''، أما آخر كان برفقة إبنه قال ''كما جرت العادة نحن ننتظر دورنا وسط فوضى لم نجد لها حلا رغم الأحداث المؤسفة التي أصبح هذا القسم يشهدها في كل مرة''.