”مرحبا أيها العالم.. ها نحن نغرد من دون قيود من إيران”. لم يكد يحتفي الإيرانيون بالسماح لهم باستعمال مواقع التواصل الاجتماعي ”تويتر” و”فيس بوك” بعد أربع سنوات من الحظر حتى انقلبوا خائبين، إذ سريعا ما انتهت فسحة الحرية الإلكترونية وعادت إيران إلى حظيرة المنع محافظة على موقعها المتقدم في لائحة الدول العدوة للإنترنت. لكن ما الذي جرى خلال تلك الساعات القليلة التي ضج فيها الإيرانيون بانتصار نسبوه لفريق الرئيس الجديد حسن روحاني الذي كان وعد بتخفيف القيود على الإنترنت في حملته الانتخابية؟ هل حقا كان رفع الحظر المفاجئ نتيجة خطأ تقني كما أعلن رسميا، أم كان تجربة تعمدها النظام لاختبار ردة فعل الرأي العام واستطلاع ماذا يمكن أن يقول الإيرانيون في حال عادت لهم حريتهم الإلكترونية المسلوبة على نحو ما ذكرت صحف غربية نقلا عن مصادر إيرانية؟ أم هو فشل فريق روحاني في تخفيف القيود على الإنترنت؟ في إيران اليوم رئيس جديد يحاول أن يقدم نفسه أكثر انفتاحا عن سلفه، وعبر أكثر من مرة عن رغبته في إفساح المجال لحريات إلكترونية أكبر. هذا ما يعكسه وزير الخارجية محمد جواد ظريف النشط على ”تويتر” و”فيس بوك”.. وللحقيقة فإن النظام الإيراني حاضر على وسائل التواصل الاجتماعي التي يمنع شعبه عنها، فها هو المرشد الأعلى علي خامنئي ينشر مواقفه وفتاواه والمديح الذي يكيله مناصروه له عبر تلك المواقع. شخصيات الحكم الجديد يبدون نشاطا أكبر في هذا المجال من دون أي حرج حيال مسؤولين سابقين وحاليين يمارسون حرية يمنعها النظام عن شعبه تحت ذرائع مكافحة المؤامرات الصهيونية. والإيرانيون عموما من الشعوب النشطة عبر الإنترنت وهم وجدوا سبلهم في العالم الافتراضي رغم الحظر نحو المواقع المحجوبة. يعرف النظام أن ملايين الإيرانيين تمكنوا من التحايل على الحظر وهم موجودون ونشطون عبر الفضاء الإلكتروني، لكنه يقيس مدى الجرعات المسموح بها من الحرية ويتراجع عنها إذا ارتأى ذلك كما حدث الأسبوع الماضي. اختبر النظام، على ما يبدو، عبر إفساحه لشبكات التواصل الاجتماعي العمل لساعات، قدرته في ضبط هذه المواقع وفحص مدى استجابة الإيرانيين لهذه الخطوة، ويبدو أن تلك لعبة يجيدها النظام الذي قوض الكثير من الفضاء الإلكتروني أمام الإيرانيين مقدما لهم ما سماه المسؤولون بالإنترنت ”الحلال”. ومثلما أبدى الإيرانيون قدرة هائلة في تطويع وتوظيف وسائل التواصل الحديثة، يبدو أن النظام يجري تجاربه على هذا الصعيد، ويبدو أيضا أنه قطع أشواطا في هذا المجال. خبراؤه اليوم مقيمون في دمشق لمساعدة النظام على مجتمعه هناك، وهذه بدورها خبرة مماثلة سيعود بها الخبراء من دمشق إلى طهران. إنه سباق بين قدرة النظام على الاستمرار في قمع وتطويع شعبه، وبين قدرة الإيرانيين على ابتداع ربيع جديد كذلك الذي نشدوه عام 2009. بالانتظار سيبقى المرشد خامنئي يغرد مقرعا العالم ومنتشيا بمدائح مريديه.