ربما كان حدث الأسبوع الفائت، على مستوى التوازنات السياسية في المنطقة ما بعد ”الربيع العربي”، زيارة وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي إلى روسيا والتي تضمنت مباحثات وتوقيع اتفاقات سلاح روسي تشمل طائرات وأنظمة دفاع، لكن هذه الزيارة تم نزعها من ”الحاضر” كعادة الثقافة العربية المنجذبة نحو الماضي ومحاولة تشبيه السيسي بعبد الناصر، وهي إشكالية عميقة في تجميد الحالة السياسية خارج الأزمات في لحظة تاريخية ما. الزيارة على المستوى السياسي لها أبعاد ورسائل قوية من المهم التفكير فيها بعيدا عن الأسئلة شبه ”النوستالجية” بين عبد الناصر والسيسي أو بوتين وخرتشوف؛ فعلى المستوى الواقعي تمر مصر بآخر نفق الإسلام السياسي بعد إعادة ترسيخ مفهوم الدولة / الدولة في مقابل الدولة / الجماعة / الأحزاب السياسية المتكلسة / الجيش، وبالتالي قطع الطريق على أي محاولات لبعث الإسلام السياسي عبر جزرة المعونات أو عصا التهميش، وهو ما يعني في مصر تحديدا البلد الذي يعاني من فائض القومية المصرية المؤمنة بذاتها يعني تحويل أجواء المنافسة السياسية بعد خروج الإخوان إلى صناعة ”البطل” المخلص المنقذ، وهو ما سيجعل من الصعب ليس فقط تجاوز السياسي وإنما تدجينه ديمقراطيا بعد أن يخلع بزته العسكرية، وبالتالي تقع أميركا مرة أخرى في خطأ تاريخي يشابه أخطاء الحرب على الإرهاب في الاستثمار الخطأ سياسيا لا سيما في جماعة تقترب يوما بعد يوم بفعل ردة الفعل الشعبية إلى أقلية محظورة قد تواجه لاحقا اضطهادا يجعلها تنتقل إلى مصاف الحركات السرية التي ملأت تاريخنا السياسي. العودة لمفهوم ”الدولة” في مصر ليس قرارا اتخذه الجيش كما يصوره الذين ما زالوا على نغمة الانقلاب والمظلومية السياسية التي ساهمت في زيادة انفصال ”الجماعة” عن الأرض والواقع؛ بل هو قرار مسنود شعبيا ومن نخب سياسية تختلف أو تتفق على السيسي لكنها تجمع على استحالة عودة ”الإخوان” أو الإسلام السياسي إلى سدة الحكم. هو أيضا قرار مسنود إقليميا من دول الاعتدال العربي بقيادة السعودية، وهو ما يعني تشكل سياسة إقليمية جديدة خارج أقواس الخيارات الأميركية للمنطقة، وهو لا يعني شرخا في العلاقات بين البلدان المعنية وبين الولاياتالمتحدة، فهذا ما لا ترغبه أو تستطيعه كل الأطراف، قدر أنه يعني كسر هيمنة القطب الواحد التي ساهم ”الربيع العربي” بما فرضه من حالة فوضى وتحالفات جديدة من عودة أطراف جديدة للمشهد يتصدرها القطب الروسي الذي لا يرغب أيضا في استعداء الولاياتالمتحدة. في السياسة هناك تحالفات مبنية على كروت تفاوض وضغط مرحلية وليست دائمة والآن هناك رغبة إقليمية في القفز على تجربة الإسلام السياسي الفاشلة ليست في مصر فحسب، وإنما في كل دول الربيع التي لم تستقر بعد وتريد أحزاب الإسلام السياسي تكرار التجربة في الانفراد بالسلطة لكن يوما بعد يوم يبدو أن هذا الأمل ليس قابلا للتحقق على أرض الواقع سواء في ليبيا أو اليمن، فضلا عن تحول جذري في تكنيك الجماعة في تونس جعلها تنسلخ من جلد الجماعة الأم الدولية على الأقل في المواقف السياسية المرحلية. الأكيد أنه لا يمكن لدولة مهما فعلت أن تملك القدرة على تجاوز ثقل واشنطن، لكن اقتطاع أجزاء من هذا الثقل في الحسابات الإقليمية مهم جدا للضغط على البيت الأبيض بتغيير استراتيجيته في المنطقة القائمة على استقطاب الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي باعتبارهما بديلا للأنظمة السياسية الحالية وهو الأمر الذي بدا غير مضمون حتى مع الإشارات التي أرسلها مرسي ورفاقه فيما يخص إسرائيل أو تلك التي يحاول الإيرانيون توجيهها فيما يخص المساهمة في الحرب على المجموعات المسلحة المتطرفة ذات المرجعية السنية وعلى رأسها ”القاعدة” وأخواتها. وإذا كانت التحولات التي شقها السيسي بزيارته المفاجئة لروسيا بدت عميقة برسائلها المباشرة نحو جميع الأطراف؛ فإن ثمة زيارة إقليمية لم يتم التنبه لها جيدا رغم أن تأثيرها أكبر على المنطقة ودول الخليج، وهي زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان لإيران والتي بدت حميمية جدا ليست على مستوى التصريحات الوردية وإنما في احتمالية قيام تحالف جديد ومؤثر يعزز صراحة حالة التناغم السابقة بين الإسلام السياسي الشيعي والسني على المستوى السياسي والشعارات المؤسسة والمعززة لولاء الكوادر والجماهير، وهي خطوة تقترب من حدود الانتحار السياسي للسيد إردوغان التي لن تكون آخر أوابده.