ألفنا سماع الأغاني الوطنية عند مقربة كل ذكرى تحمل في طياتها تاريخ الثورة التحريرية المجيدة، كأغنية ”يا ثورة الأحرار في ساحة الفداء”، التي علقت في الأذهان، ليتزايد عدد إنتاج الأغاني الخاصة باستذكار نضال الشهداء والمجاهدين. في حين كانت الأغنية الرياضية تتغنى بأسماء اللاعبين، وها هي كلماتها اليوم تسجل رموز الثورة من فدائيين وأحداث بارزة.. فهل هي الضالة التي يبحث عنها الشباب أم أنها مجرد موضة تزول مع الأيام؟ سجّل ”ريبيرتوار” الأغنية الوطنية كما هائلا من الإنتاجات، لكن الذي كان حاضرا بقوة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي لايزال على حاله مع تزامن الذكرى الستين لاندلاع ثورة أول نوفمبر، فجداتنا رغم أميتهن إلا أنهن لا يتلعثمن حين يغنين كلمات أغنية ”حيوا الشمال يا شباب حيوا الشمال الإفريقي”، وأغنية ”يا ثورة الأحرار في ساحة الفداء” من إعداد حافظ البحيري وتلحين السوري تيسير عقلة، والتي أدتها بامتياز صليحة الصغيرة، أين تعتبر أروع ما خلده التلفزيون الوطني بالأبيض والأسود.. ليكون وسط الفنانين تنافس كبير بعد ذلك للبروز بأفضل أغنية وطنية آملين أن يحقق أحدهم ما يتشرف ليجاور إبداع المتألقة ”صليحة”. ليكون آخر ما استوقفنا هي الأغاني الرياضية التي تتضمن أسماء رموز تاريخية من الشهداء كالبطل العربي بن مهيدي، وأحمد زبانة”. أما شعار الملاعب ”3.2.1 فيفا لالجيري”، فقد نطق بها لأول مرة في مظاهرة حاشدة إبان الثورة التحريرية، ونطقت باللغات الأجنبية بهدف توصيل المطلب الجزائري إلى الرأي العام العالمي المتمثل في الاستقلال، ونطق بهذا الشعار لأول مرة في الملعب سنة 1982، في المقابلة التي فاز بها فريقنا الوطني على نظيره الألماني، ليكون شعارا دائم الحضور عند نصرة الفريق داخل وخارج الوطن.. الدفاع والهجوم.. مثلما نفذه أبطال ثورة التحرير تصف الأغنية حالة هجوم اللاعبين ودفاعهم عن المرمى، من خلال تشبيه جو اللعب كتلك الهجمات التي نفذها الفدائيون ضد المستعمر الفرنسي. وقد لقيت تلك الألبومات مبيعات كبيرة حسب ما قاله لنا أحد باعة الأسطوانات الغنائية، كما صرح أن بعضا من الشبان يسأل عن ألبوم يتضمن أغنية بها اسم أحد الشهداء أو ذكر للنشيد الوطني، ويتم تداول مقاطع من تلك الأغاني من قبل الأنصار داخل الملاعب، وكأنه تأكيد على أنه لا رمز تاريخي إضافي عند الشاب الجزائري منذ ستين سنة مرت. ومع هوان صورة السياسيين اليوم، انتقل الشاب إلى تاريخ لم يستطع أسلافه أن يجسد ولو كاريزما حضور نصب عينيه. الرموز الثورية أطرت في نطاق ما يستهوي الشباب أكدت الأخصائية الاجتماعية الأستاذة جميلة حميداش، من جامعة الجزائر” أن كرة القدم اليوم أصبحت قضية عالمية، كما أخذت أبعادا سياسية، وخير دليل على ذلك ملحمة أم درمان بالسودان الذي جمع الفريق الوطني مع نظيره المصري، في حين أن عزوف الشباب عن تاريخ الثورة عبر المنابر الرسمية راجع لسبب أن الهيئات المعنية بإيصال أمانة التاريخ لم تراع معطيات العصر الذي يقوم عليه الشاب في خطاباته، حتى أن المشهد السياسي لم يلعب دوره اللائق به بهذا الخصوص، لينتهج جيل اليوم ما يستهويه فعلا، وتكون الرياضة الأكثر شعبية في العالم وبلده منبرا يؤطر الرموز الثورية بامتياز.. وقد تكون هذه رسالة للسلطات المعنية لإعادة النظر في نقل الأمانة التاريخية.