بسم اللّه وبديت بالذكرى نشعر ...ولشفت بالعين نعبرو بللسان أعظم مظاهرة في حداش ديسمبر...وخرج شعب الجزائر رجال ونسوان في مركز أولاد سلام هجموا على العسكر...لعدو ضرب بالرشاش وزاد بالطيران كانت هذه مقاطع من إحدى القصائد الثورية للشاعر المجاهد محمد الصالح لوصيف حول مظاهرات ال11 ديسمبر، وكم هي كثيرة القصائد والأغاني الثورية التي تتغنى ببطولات وأحلام وحتى انكسارات سكان الأوراس والجزائر خلال الحقبة الاستعمارية وبنعمة الحرية بعد الاستقلال. الأوراس معقل الأغنية الثورية الجزائرية لقد كانت الأغنية الثورية، وما تزال مصدر فخر واعتزاز لكل الجزائريين، وقد كانت انطلاقتها حسب عديد المجاهدين والمختصين الذين تحدثت معهم “الشعب" أثناء تحضير هذا الملف، من منطقة الأوراس الأشم ، لعدة اعتبارات لها علاقة بكون منطقة الأوراس قلعة من قلاع الثورة وقبلها مركزا من مراكز المقاومة الشعبية على مر العصور فما تلبث أن تخمد ثورة لتشتعل أخرى دفاعا عن الوطن ومقوماته، إضافة إلى أن الأوراس الكبير، حسب الفنان سليم سوهالي، من أكثر المناطق تضررا من الاستعمار الفرنسي خاصة ما تعلق بالخسائر البشرية، حيث تؤكد المراجع التاريخية أنه لا يكاد يخلو بيت من اسم شهيد أو أكثر. ويضاف لهذه الأسباب تلك المعاناة الكبيرة لسكان المنطقة “باتنة، خنشلة، قالمة، أم البواقي، سوق أهراس...." النفسية والجسدية والتي ترجمها سكان المنطقة إلى كلمات وألحان تعكس ألامهم وأحلامهم، والأهم من كل ما سبق أن الأوراس شهد أهم حدث في تاريخ الجزائر الثورة التحريرية وهو انطلاق الرصاصة الأولى من جبال الأوراس إيذانا بحرب تحريرية شاملة لاستعادة الحرية والدفاع عن الأرض والعرض والوطن. الفنان اونيسي محمد..الكلمة سلاح معنوي في مواجهة استعمار وحشي أكد الفنان “أونيسي محمد" ، وهو أحد المختصين في الأغنية الأوراسية بالمنطقة وأهم شعرائها حاليا، ل«الشعب" أن الأغنية الثورية عرفت تراجعا كبيرا منذ الاستقلال، وهي حاليا، حسبه، تحتضر نظرا لغياب الإرادة القوية لدى الجهات المعنية لإعادة الاعتبار لها، وعاد صاحب ال22 ألبوما عن الأغنية الأوراسية، إلى بداياته الفنية عندما كانت الأغنية الثورية تحظى باحترام الجميع ولها من الشعبية ما جعل كل المنافسات الفنية لا تقوم إلا بالأغنية الثورية، حيث حاز على الجائزة الأولى في إحدى المسابقات المنظمة بمناسبة عيد الاستقلال، واعتبر محدثنا الأغنية الثورية بمثابة “الكنز" الذي يجب الحفاظ عليه. وقال ذات المهتم بهذا النوع الفني، على هامش لقائه ب«الشعب"، أن الأغنية الثورية عبارة عن كلام مشفر يحمل دلالات ومعاني كثيرة، حيث كانت اللغة الأكثر ثقة وتواصل بين المجاهدين، فأغلب الرسائل الثورية كانت تصل عبر الأغنية، حيث يقوم أحد بترديد أغنية فيها رسائل مشفرة وينقلها إلى غيره وهكذا حتى والاستعمار الفرنسي متواجد مثلا في تلك المنطقة يسارع الثوار والمواطنون إلى التوصل مع بعضهم البعض عن طريق الأغاني وكثيرا ما قام الاستعمار الفرنسي باعتقال العديد منهم بحجة نقلهم لرسائل عن طريق الغناء، ومثلا إذا أراد المجاهدون إرسال وثائق مهمة لها علاقة مباشرة بالثورة تكون الرسالة على الشكل التالي: وعلاش علاش يا مروانة....فالتيليفون لا تكلمني....الطوموبيل راهي تجري....وإنشاء اللّه إفرج ربي ومعنى ذلك حسب الشاعر “أونيسي محمد"، أرسل الوثائق بسرعة وحذاري من المستعمر وعملائه وإنشاء اللّه ستتم العملية يخير. ويرفض المتحدث حصر تاريخ الأغنية الثورية مع اندلاع الثورة التحريرية سنة 1954 بل يؤكد أن بداياتها كانت منذ تعاقب الاستعمار المختلف على الجزائر منذ 1296 سنة من الاستعمار الوندالي إلى الفينيقي، ولكن عصرها الذهبي كان مع دخول الاستعمار الفرنسي وانطلاق الثورات الشعبية. يا ربي سيدي واش اعملت انا ووليدي..أنربي أنربي فيه وفي الأخير أداتو الرومية وجاءت هذه الأغنية عندما بدا الاستعمار الفرنسي يجند إجباريا الجزائريين وتعبر عن “حرقة" الأم لفقدانها ولدها ونجد أيضا زوج ذراري طلعوا لجبال...هزوا السبتة زادو الرفال ...ضربوا ضربة جابوا رشار...يا حمودي نجمة وهلال وهي أغنية في الترغيب على الجهاد والالتحاق بالجبل لاستعادة الكرامة والحرية. ونجد أيضا ماينا للرجال ماينا ليهم .. إيباتوا فالجبال البرد عليهم .. الفوشي فالأكتاف العوين في يديهم والمقصود منها التعبير عن تضحيات المجاهدين الذين دفعهم حب الوطن إلى التضحية بأشياء كثيرة لدرجة أنه ليس لهم الوقت الكافي لتناول الآكل كون السلاح في كتفهم والأكل “العوين" في الكتف الأخرى والبرد يطاردهم من جهة ولكن إيمانهم بقضيتهم جعلهم يتحملون كل شيء في سبيل الوطن، فلكل أغنية معنى وفترة وقصة. فنجد هذه الأغنية تدعو إلى الحيطة والحذر ووجوب تغير مقر الاجتماع الثوري وكذا كلمة السر. يا بن بولعيد أ يخويا.. سرح لجيش الليلة يمشي..البيعة راهي مشات ونبدل قشي ونجد نبكي بكي الهمالة...ودموعي هاطلة ودان...على فرنسا ما دارت فينا ...دارت المينا وزادت السلان أي أبكي بكي الطفل الضائع المتشرد، ودموعي شديدة كالوديان، من وحشية فرنسا، قامت بإنجاز القنابل وخطي شارل وموريس الكهربائيين. هذا وأكد لنا عديد المجاهدين والمجاهدات، خاصة أن الأغنية الثورية لعبت دورا بارزا خاصة في نقل الإخبار وإعلام المجاهدين بتحركات العدو و تنقل كل ما استجد بالمنطقة، وتحذرهم من أي طارئ أو حصار، وهو ما تجسده الأغنية الشهيرة حول العقيد “الحاج لخضر" محددة لون عمامته الصفراء ومحذرة إياه من المرور بمنطقة “المعذر" بباتنة التي حوصرت من قبل قوات الاحتلال الفرنسي: الحاج لخضر مول الشاش لصفر.. ما تعبش اليوم على لمعذر ..أصبح امسركل بالعسكر.. هيا لأولاد اللّه ينصر الأغنية الثورية تحتضر.. أين الغيورين عليها؟ لا يمكن الحديث عن أغنية ثورية في الجزائر دون الحديث عن أعمدتها وعمالقتها كعيسى الجرموني، علي الخنشلي، بقار حدة، فتيحة البيضية، كلثوم الاوراسية، براهيم الشواي، مرير الطيب، محمود شريف...وغيرهم كثير قدموا للأغنية الثورية حياتهم، حيث زرعوا الأمل في قلوب المجاهدين استمر نشاطهم حتى بعد الاستقلال أين عرفت الأغنية الثورية نجاحات كبيرة إلا أن بدأت تتلاشئ برحيل روادها وكبر بعضهم، حيث وجدنا صعوبة بالغة في الوصول إلى بعضهم والحصول على شهاداتهم، فلا احد من الأجيال الحالية يعرف شيئا اسمه أغنية ثورية بسبب عدم الحفاظ عليها وإهمالها من طرف القيمين على الشؤون الفنية والثقافية، حسب ما كشف عنه أغلب من تحدثنا إليهم ، وإن أكدوا أن الإعلام يتحمل مسؤولية تاريخية أيضا في تراجع أمجاد الأغنية الثورية وحتى الشعراء والفنانون لهم نصيب من اختفاء كنز الأغنية الثورية بسبب عزوف الشعراء عن كتابة قصائد ثورية وغياب فنانين يؤدون هذا الطابع بسب مشاكل تجارية ومالية محضة، فباستثناء شهادات الأجداد لا أحد يتحدث لك عن الأغنية الثورية، يحدث هذا والجزائر إفتكت المرتبة الأولى عربيا بمشاركة 33 دولة في مهرجان الإذاعة والتلفزيون من خلال برنامج “ألوان بلادي" لعلي عيساوي والتي تناولت الأغنية الثورية وعادات وتقاليد الجزائر والأوراس بالتحديد. ويرجع محمد أونيسي تهميش وتراجع الأغنية الثورية إلى غياب التنسيق، خاصة منذ مطلع التسعينيات وتواصل التراجع إلى غاية اليوم، قائلا “رغم مرور 50 سنة من استرجاع السيادة الوطنية إلا انه لا أحد فكر بجدية في جمع الأغاني الثورية في كتاب وتوثيقها". بكاي أمال مديرة شركة سمعي بصري..زخم تاريخنا الثوري كفيل بخلق مكتبات موسيقية أكدت بدورها السيدة" بكاي أمال"، مديرة شركة “بكاي للسمعي البصري"، وفنانة تشكيلية، أن الأغنية الثورية في حاجة ماسة إلى التوثيق حفاظا على تاريخها الذي هو جزء كبير ومهم من ذاكرتنا التاريخية، وتوافق القائل بأن الأغنية الثورية في تراجع مستمر بسبب نقص الاهتمام بها على عكس الدول الأخرى الصديقة والشقيقة والتي ما تزال مهرجاناتها تولي أهمية قصوى للأغنية الثورية، رغم أن الجزائر وحدها من لها من التاريخ الثوري ما يجعلها تنجز مكتبات موسيقية نظرا لغنى المنطقة بمختلف الطبوع، كما تعهدت المتحدثة بأنها ستولي أهمية كبيرة لمجموعة من الأعمال التاريخية على غرار الملاحم والأغاني الثورية وحتى الأفلام الوثائقية. وحرصت ذات لمتحدثة في لقاء “الشعب" معها على التأكيد على أن منطقة الأوراس من أغنى المناطق بالجزائر خاصة من حيث التنوع الثقافي والفني فالأغنية بها عرفت مراحل عديدة أغلبها حاكى واقع حال الجزائريين في تلك الفترة، بل وساهمت الأغنية الثورية في تحقيق انتصارات معنوية كبيرة للجزائريين أرقت الفرنسيين، لذا كان الحفاظ عليها حفاظا على الهوية واحتراما للتاريخ وصونا لذاكرة الجزائر.