أجواء بداية التسعينيات تخيم على الجزائر، وأصوات الغربان الناعقة بدأت ترتفع في سمائها!؟ ومثل التسعينيات، لم يعد إرهابيو الأمس، الذين فتحت لهم المصالحة أبواب الإعلام والنشاط السياسي يخفون مخططهم، بل يعلنونه جهارا نهارا، ويستعملون كل الوسائل المتاحة لذلك، مستغلين الفراغ الذي تعانيه السلطة هذه الأيام بغياب الرئيس، وبالفوضى الحاصلة في الهرم. من قال إن المصالحة نجحت، وأن الإرهابيين تابوا وأن الجزائريين صفوا قلوبهم وتآخوا مثلما تريد السلطة الترويج له، وها هي فتوى إقامة الحد على الكاتب الصحفي كمال داود تضعنا أمام الأمر الواقع، وأمام حقيقة هذا التيار الذي استغل ظرف المصالحة والعفو عن عناصره الدموية، ليسترجع كالغول قوته وجبروته ويعود من جديد إلى إشاعة الرعب والجريمة، ومن يدري قد يلحق الكلمة بالفعل ويعود إلى القتل غيلة وخدعة. المدعو حمداش والذي أصبح يفضل تسامح السلطة التي تخفي رأسها في الرمال رافضة الاعتراف بأن مصالحتها فشلت وأن البلاد على موعد من جديد مع مرحلة من الرعب، أصبح ناطقا باسم التيار الدموي الذي أشاع سنوات التسعينيات، وما يزال، الفوضى في البلاد وأغرقها في بحر من الدم والرعب. حمداش أصدر أول أمس فتوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي يدعو فيها إلى إقامة الحد على الكاتب الصحفي كمال داود، لا لشيء إلا لأنه تحدث على إحدى الفضائيات الفرنسية وقال أشياء لم تعجب المنتسبين إلى هذا التيار وبعض التيارات الأخرى التي أصبحت تعتبر نفسها هي الله وتحكم بالموت وبالحياة على من تشاء. كمال داود قال على بلاتو التلفزيون الفرنسي ما دأب على قوله لسنوات عبر عموده اليومي في لوكوتيديان دوران؟ فهل إقامة الحد لأنه تحدث أمام فرنسيين أم لأن بعض المتعصبين أرادوا أن يصنعوا لهم أسماء من التهجم على داود بسبب مواقفه؟! قد نختلف مع كمال داود في الكثير من آرائه، حول اللغة، أو حول القضية الفلسطينية أو الدين أو طريقة تسيير الشأن العام التي لا يتوانى عن فضحها، لكن أن نخوّنه وندعو إلى قتله وهدر دمه، فهذا أمر خطير، وتوقيع بالأحرف الأولى على العودة إلى سنوات الرعب التي لم ترحل أبدا. والأخطر منه أن السلطة مثلما كان الأمر سنوات التسعينيات لا تحرك ساكنا، وكأن أمر حماية الجزائريين من خطر الإرهاب لم يعد يعنيهم، أو كأنهم صدقوا حقا أننا صرنا واحة أمن وسلام مثلما يروجون لذلك لدى من يبتغون رضاءهم. منذ أيام اغتالت مجموعات إرهابية رئيسي بلدية في تبسة وتيسمسلت، وأخرى ما زالت ناشطة في منطقة القبائل لم تضع أبدا السلاح، بعض عناصرها إرهابيون تائبون عادوا إلى الجبل بعدما غنموا وارتاحوا واسترجعوا قوتهم بفضل تسامح المصالحة. المصيبة أننا لم نستفد من تجربة التسعينيات التي ندعي أننا نسوقها إلى الخارج وأننا نعطي دروسا إلى باقي الدول في طريقة مكافحة الإرهاب، بينما نعيش نفس التذبذب مثل التسعينيات ولا نعطي أهمية لهذه التهديدات. فهل ننتظر مرة أخرى حتى يسقط مئات الصحفيين والمثقفين وما تبقى من خيرة أبنائنا على قلتهم، لننتبه إلى الخطر الذي يشكله هؤلاء؟! كلنا كمال داود، وكلنا مستهدفون، وكلنا في نظر هؤلاء كفرة ومرتدون وسيقام علينا الحد كل ودوره؟!