مازالت قضية تكفير الكاتب الروائي والصحفي كمال داود المطالبة بإعدامه علنا، تلقي ظلالها على المشهد الثقافي والديني في الجزائر، حيث تحولت إلى مسلسل أبت حلقاته ألا تنتهي، بل وعرفت قضية هذا الكاتب الذي أهدر دمه السلفي عبد الفتاح حمداش بافتاء طالب فيه بقتله، على خلفية تصريحات أدلى بها كمال داود خلال استضافته في برنامج تليفزيوني فرنسي، وهي الفتوى التي أثارت زوبعة وسط المثقفين خلفت تشعبات كثيرة أخرجت القضية عن نطاقها الثقافي إلى أبعاد أخرى قد تكون نتائجها خطيرة في المستقبل القريب، لاسيما في ظل وجود صرخات مدوية تحذر من عودة الآلة الجهنمية التي خلفت وراءها مقتلة دامت أكثر من عشر سنوات، كون القضية لا تمس كمال داود بصفة مباشرة، بل اعتبرها المثقفون مؤامرة مخطط لها من طرف بعض الجهات التي تريد زج الجزائر في متاهة العنف وإرجاعها إلى سنوات الجمر، أين اغتيل العشرات من الصحفيين والكتاب. كما أن القضية أفرزت حربا كلامية محتدمة بين المثقفين تعبر صراحة عن غياب منطق التعايش بين أبناء الجزائر، في ظل فراغ ثقافي بات يفرز مثل هذه الطعون والانتقادات. ولاحتواء القضية ضمن قالب المناقشة وآراء المثقفين استنطقت ”الفجر” بعض الشخصيات الشابة ممن عايشت كمال داود في حقل الكتابة، حيث استهدفنا فئة الشباب الطامح، خصيصا كون أن المتهم شاب فرض نفسه في الساحة الثقافية وتحول إلى ظاهرة كتابية بارزة، ما جعله أن يكون نبراسا لهؤلاء الشاب الدكتور اسماعيل مهنانة: ”العنف مهما كان رمزيا أم لفظيا ليس وجهة نظر، وكمال داود ظاهرة كتابية بارزة” ضية كمال داوود مُعقّدة لأنها ليست معزولة عن نسق ثقافي وسياسي عام، متشنّج وملتبس ويعجُّ بالمفارقات والتناقضات. - أولا: في ظلّ الأحداث السياسية المتسارعة في الجزائر والانسداد السياسي الذي وصل إليه النظام، أعتقد أن أمثال حمداش الذي لم يظهر قبل أحداث الحراك العربي، لا يتحركون من تلقاء ذاتهم بقدر ما هنالك من يحرّكهم ويدفعهم نحو إطلاق فقاعات إعلامية وتحريف والوعي السياسي عن المشاكل الحقيقة للبلد. - ثانيّا: قد نتّفق أو نختلف مع طروحات كمال داود لكن ليس إلى الدّرجة التي يجعل احدهم يستبيح قتله. العنف مهما كان رمزيا أو لفظيا ليس وجهة نظر، بل جناية قانونية يجب أن تأخذ طريقها الى العدالة. - ثالثا: كمال داود ظاهرة كتابية بارزة، وصحّية، أتابع كتاباته وعموده اليومي منذ سنوات، وهو يطرح أفكاره تلك منذ ازيد من 15 سنة، ولم تكن تطرح مشكلة لأن القارئ المُعرّب لم يطّلع عليها. كان يُمكن أن تمرّ آراء داود مجهولةَ لولا نجاح روايته ”ميرسو تحقيق مضاد” والهالة الإعلامية التي أُحيطت بها. - رابعا: قضية كمال داود أماطت اللثام عن الكثير من الحقائق والطابوهات، مثل أزمة الهوية العميقة التي يتجاهلها الخطاب الرّسمي، ومثل انتشار الفكر الأصولي والوهابية في الطبقات الجاهلة من المجتمعة، ومثل خيانة المثقفين وازدواجيتهم، حيث قلّة فقط ممن انتصر لمبدأ الحرية والكونية والإنسانية. أما الغالبية الساحقة فقد تمترسوا وراء اقنعة كثيرة أقلها الجُبن والنفاق الخبيث. - خامسا، لا يزال الموقف الرسمي من القضية ملتبساَ وغامضا، ما يرسّخ الاعتقاد أكثر في تورّط بعض صنّاعه المباشر في اختراع هذه الألاعيب الأكروباتية، والنفخ في النمور الكارتونية الاسلامية لإرسال رسائل السلطة الى الخارج خاصّة عن طبيعة البديل السياسي الذي قد يطرحه أي تغيير.