فتح، أول أمس، في مجلس قضاء الجزائر فصل جديد من مهازل المحاكمات التي طبعت العشرية الأخيرة، كان من المفروض أن يجتهد القضاء الجزائري في هذه المحاكمة التي تحضرها أطراف أجنبية، ويعطي صورة مغايرة للعدالة الجزائرية، ولدولة القانون التي ما انفك الرئيس بوتفليقة يردد أنه سيؤسس لها، ولكن “الذي فيه نقه ما تتنقى” كما يقول المثل الشعبي. لكن العدالة أبدعت في هذه القضية باستحداثها ممثلا عن الخزينة العمومية كطرف مدني وعلى أموال سوناطراك، وهو ما رفضه الدفاع، الذي قال إن سوناطراك هي شركة تجارية تحتكم إلى القانون التجاري، وليست شركة عمومية. وبعيدا عن الإجراءات والقوانين، وتفسيرات المحامين، أليست العدالة محقة عندما تخلط بين أموال سوناطراك والخزينة العمومية، ألا يتعلق الأمر بالبقرة الحلوب؟ فمن غير سوناطراك، هل كانت ستكون هناك خزينة عمومية؟ الحمد لله أن القطاعات الأخرى لم تعين ممثلا عنها يدافع عن نصيبها المنهوب من أموال سوناطراك؟ لأعد إلى الجد. ها هي خمس سنوات تمر على فتح هذا الملف وما جاء بعده من ملفات؟ ولم تتقدم القضية خطوة إلى الأمام، وها نحن نشاهد مسلسلا آخر شبيها بمحاكمة الخليفة التي مر عليها أكثر من عقد ولم يعرف الجزائريون “رأسهم من أرجلهم” في هذه القضية التي كانت أكبر عملية نصب واحتيال في عهد بوتفليقة، قبل أن تغطي عليها سوناطراك وشكيب خليل من حيث البعد الدولي للفضيحة ولحجم الأموال المنهوبة، لكن لسوء حظ رفيق خليفة أنه لا يملك جواز سفر أمريكي يحميه، وأنه لم يكن من وزراء الرئيس لتجند العدالة لحمايته من المتابعة، ويبعد من أجل ذلك وزير عدل، وتقلب البلاد سافلها على عاليها ليبقى يتنعم بالحرية في فرجينيا هو وشلة أخرى ممن نهبوا أموال البلاد. كان لابد من تأجيل هذه المحاكمة إلى الدورة الجنائية المقبلة، ليس من أجل مهازل الاجراءات التي احتج عليها الدفاع فحسب، بل كل تأجيل هو في الصالح العام، مهما كان المساس بحقوق المتهمين في هذه القضية، فالخوف أن يسارع بالمحاكمات في ظل عدالة مكبلة، وتأتمر بأوامر، ويتم من خلالها تبرئة اللصوص الكبار ويدفع اللصوص الصغار أو “الأبرياء” الثمن مثلما حدث مع محاكمة الخليفة. فهناك متهمون أقروا بجرمهم أمام المحكمة، ومع ذلك خرجوا من الفضيحة مثل الشعرة من العجين على حد تعبير عمار سعداني، من الرسالة الشفوية التي نقلها إلى وزير العدل السابق وطلب منه أن يخرج شكيب خليل مثل الشعرة من العجين من هذه القضية مقابل احتفاظه بمنصبه كوزير. لكن شرفي “رأسه خشين” مثلما قال سعداني. فهل ستلين رؤوس أخرى هذه المرة لتخرج شكيب خليل الذي يعيش حاليا في فرجينيا، هو وعائلته يتمتعون بأموال “الخزينة” الجزائرية، ومما قيل عن مكاسبهم من بيع الفائض من البترول في بورصة النفط في السوق السوداء في قبرص. فهل ستلين الرؤوس ويخرج شكيب خليل ومتهمون آخرون ما زالوا يتمتعون بالحصانة الجهوية، كالشعرة من العجين، والدليل أنه لم يستدع للحضور أول أمس، في هذه المحاكمة، مع أن متهمين ذكروه في التحقيقات. قلت أفضل أن تؤجل هذه المحاكمات على أن تبرأ ساحة المتهمين الحقيقيين. فالمعروف في العدالة أنها لا تحاكم الشخص لنفس التهمة مرتين، فماذا لو تمت تبرئة المتهمين الحقيقيين الآن واستفادوا من البراءة نهائيا؟!