كم هي مؤلمة صور النازحين الفارين من تدمر هروبا من داعش، التي باتت تسيطر على هذه المدينة التاريخية، مملكة زنوبيا وإحدى روائع الإرث الإنساني في المشرق؟! تزامنت أخبار سيطرة داعش على تدمر، مع أخبار أخرى مؤلمة أيضا آتية من القطيف في هذه الجمعة المباركة التي هي عيد المسلمين، أين هز انفجار أحد المساجد وقت صلاة الجمعة والحصيلة أزيد من عشرين قتيلا وأضعافها من الجرحى؟! وفي العراق سقطت الرمادي بيد داعش، التي صارت تسيطر على نصف الأراضي في سوريا وتفرض منطقها في العراق. لا! ليس تراجعا تكتيكيا مثلما يدعي أوباما معلقا على سيطرة داعش على الرمادي، عندما قال: “لا لسنا بصدد خسارة المعركة ضد داعش“، بل هناك في الأمر إن، أمريكا وحليفاتها في الحرب على التنظيم ليست جادة، فهي لا تريد القضاء عليه، بل تفتح السبل أمامه لترويع السكان أكثر وتهجيرهم وإضعاف هذه البلدان من قبل داعش وحليفاتها هي الأخرى، تمهيدا لدمار أكبر للشرق الأوسط. الشرق الأوسط الذي يستهدف فيه كل شيء، الإنسان والأديان والبنية الاجتماعية والإرث التاريخي والآثار الدالة على عراقة هذه الشعوب وذاكرتها الضاربة في التاريخ. إنها حرب على كل شيء ودمار على الأرض لمحو كل شيء، الماضي والحاضر والمستقبل. أمريكا وحليفاتها لا تريد شعوبا بذاكرة ولا مجتمعات متحابة فيما بينها، فبعد أن زرعت الكراهية بين الطوائف وأججتها حروب هوية، ها هي اليوم تطلق يد داعش لتمحو آثار سومر وبابل و”بالمير” تدمر العريقة، فلن يبقى حجرا يذكر شعوبها مستقبلا بهويتها وبثقافتها وبتاريخها، حتى السعودية اليوم تجابه ما زرعته مخابراتها في اليمن والبلدان الأخرى، ها هي بلاد الحرمين تسال فيها دماء مسلمين في يوم جمعة، والمستهدف هم الشيعة مرة أخرى والهدف واضح زرع فتنة بين سكان المملكة لنشر صراع بين طوائفها سنة وشيعة، لخلخلة البنية الاجتماعية هناك وزرع فتنة لن تنطفئ نارها قبل أن تدمر العلاقات بين سكانها. لم يبق شبرا واحدا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، البلدان التي كانت تسمى عربية، لم تسقه دماء، والأمر من ذلك ما هو آت من رعب، وإحباط للمعنويات، وتدمير للنفوس لثنيها عن بناء ذاتها، وعرقلة الشعوب عن تشييد أوطانها والدفاع عن مكانتها وسط الشعوب الأخرى. كلنا مستهدفون بموجة الرعب هذه التي تضرب يوميا وفي شتى البلدان. حتى في الجزائر، أين قضت قوات الجيش على مجموعة إرهابية كبيرة نهاية الأسبوع، لا شيء يطمئن. صحيح أن قوات الأمن والجيش كسبت خبرة كبيرة في مكافحة الإرهاب في الميدان وكانت كل مرة توجه له ضربات قاسية، إلا أننا لم نربح المعركة إجتماعياوالدليل الانتشار الواسع للفكر الظلامي والعنف اللفظي، بل العنف بكل أنواعه الذي يستهدف النساء وخاصة غير المحجبات، فقضية منع فتاة، الأسبوع الماضي، من دخول امتحان بسبب ثوبها القصير، أدى مفعوله في المجتمع، ليس فقط أن الوزارة أصدرت أوامر لما سمته “لباس محتشم”، بل أيضا بداية ظهور التحرش بالفتيات غير المحجبات، مثلما وقع مؤخرا في تلمسان أين جردت فتاة من لباسها. شتان بين الحرب على اللباس، والحرب على الحضارة والحرب على الهوية التي تستهدف بلدانا بحضارتها وتاريخها. لكن المؤسف أنه لا حكامنا ولا مثقفينا وعوا هذا الخطر، فالمستهدف ليس بشار الأسد مثلما يروج له إعلام الانقلابات، فالدمار في العراق لم يتوقف مع الاطاحة بصدام ولا بالاطاحة بالقذافي في ليبيا. الهدف محو كل شيء في هذه الرقعة من الأرض، الإنسان والحضارة والفكر وحتى الدين الذي شيطنته داعش وأخواتها، سينتهي به الأمر بشعوبه إلى الكفر به!!