تساءل الشاعر المفكر الجزائري عمر أزراج، في آخر مقال له في صحيفة العرب اللندنية، عن سبب عزل رموز الثقافة الأمازيغية، مرجعا هذا إلى الدفن الجماعي لرموز الثقافة الأمازيغية في الجزائر، حيث لم تعد الشعارات المرفوعة من قبل المسؤولين عن الشأن الثقافي الجزائري وكتابة تاريخ الحركة الوطنية التحررية تفيد شيئا. وقال أزراج في مقاله أنه قضى ليلة كاملة هذا الأسبوع يقلّب ملف الشاعر والمفكر الجزائري الأمازيغي الموهوب جان عمروش، ابن الشاعرة والمغنية الأمازيغية العريقة فاطمة عمروش، المولود عام 1928، والمتوفى عام 1962، ولم يجد ولو مقالا واحدا عنه باللغة العربية كتبه كاتب جزائري، مضيفا بأن هذا الرجل الفذ، شاعر مرموق ومفكر جدي ومناضل في حركة التحرر الوطني الجزائري، مغمور في الحياة الأدبية والسياسية الجزائرية ولا يعرف الجيل المعرّب عن أدبه وفكره ونضاله شيئا يذكر. ويضيف أزراج أنه قلب ألبوم الصور التي تضمنها هذا الملف ورأى الموهوب جان عمروش إلى جانب أصدقائه ورفاقه في الأدب والفكر أمثال الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو والأديب أندريه جيد الحائزين على جائزة نوبل، كما رأى إلى جانبه أحد عمالقة الفكر العالمي وهو صديقه غاستون باشلار، فضلا عن شخصيات ثورية جزائرية مثل الشهيد عبدالحفيظ بوصوف. ويقول صاحب المقال أنه وبالرغم من أن الشاعر ترك وراءه عددا معتبرا من المؤلفات في الشعر، والنقد الأدبي والفلسفي، فضلا عن حوارات كثيرة وعميقة، كان قد أجراها مع كبار مفكري وأدباء وفلاسفة فرنسا والغرب، إلا أنه لا توجد ترجمة جزائرية لهذه المؤلفات إلى اللغة العربية. ويرى أزراج أن الموهوب جان عمروش ليس الضحية الوحيدة في الجزائر المستقلة، بل هناك العشرات من الشعراء والمفكرين والفنانين البربر (الأمازيغ) أمثال سعيد أمليكشي، وبن حنفي، وبن محمد وغيرهم من الأدباء والأديبات الأمازيغيين الذين لم تجمع وتطبع أعمالهم بشكل لائق، كما أنها لم تترجم إلى العربية، مضيفا أن هؤلاء الشعراء والأدباء والمفكرين لا وجود لنصوصهم في الكتب المدرسية المقررة في مختلف مراحل التعليم الابتدائي والتكميلي والثانوي والجامعي للتعريف بها وبمبدعيها، ولتلقيح الأجيال الجديدة التي تفرض عليها أزمة التغريب الثقافي والروحي بهذه الثروة الإبداعية، التي من شأنها أن تلعب دورا مفصليا في تحصين هذه الأجيال بالهوية الثقافية الوطنية الأصلية. وأكد أزراج أن مثل هذه الوضعية تتناقض تناقضا صارخا مع الشعارات المرفوعة عن ضرورة بناء الشخصية الوطنية على أسس تنوع عناصر الثقافة الوطنية، وهي في الحقيقة تخالف ما نسمعه في الخطب الرنانة، وما نقرأه في البيانات والتصريحات التي يروج لها في وسائل الإعلام حول محاربة آفات العزل الثقافي لهذه المنطقة الإثنية أو تلك، وبالعكس فإن تكريس سياسات وسلوكيات تهميش وإنكار الإنتاج الإبداعي الثقافي والفكري لمثل هؤلاء الأدباء والمفكرين البربر (الأمازيغ) هو الذي يثبت سيناريو العزل الثقافي الذي يمهد لتقسيم الهوية إلى شظايا مبعثرة ويؤسس بالتالي لبؤس الفرقة ويفتح الباب واسعا لتهديد الوحدة الوطنية.