يعصر تلاميذ الجزائر امخاخهم لحفظ اشعار من العصر الجاهلي وحفظ حياة الشعراء وسنوات ميلادهم ونسبهم وقبائلهم وبيئتهم والمناسبات التي قالوا فيها اشعارهم أن كانت غزلا أو مدحا أو هجاء أو وصفا.. يحفظون كل شيء عن ظهر قلب حتى اسماء عشيقاتهم مثل عنيزة وعبلة، لانه مطلوب في الامتحانات الفصلية وفي الامتحانات المصيرية العامة. يتحول التلاميذ إلى ببغاوات يرددون اقوالا لا يفهمونها مضى على قولها ازيد من 15 قرنا بلغة غير لغتهم الحالية التي ينطقون بها أو يكتبونها. العصر الجاهلي فصل مقدس في مناهج التعليم بالجزائر، وهو حاضر في مدارسنا اكثر مما هو حاضر في اي منهج آخر في بلاد العرب. يأخذ من الوقت الكثير وينهك الاعصاب لمئات الساعات قبل أن يرمى في سلة المهملات كون الطلاب لا يحتاجونه في حياتهم الدراسية المستقبلية وفي حياتهم المهنية. تعليم العصر الجاهلي هدر للوقت وتنكيل بالقدرة الفكرية للناشئة، فماذا لو تشجعت الوزيرة نورية بن غبريط وقررت شطب كل ما يتصل بالجاهلية من برامجنا الدراسية أن كان تاريخا أو أدبا؟ فذلك الأدب لا ينفع لا لغويا ولا معرفيا حتى أنه يخدش الاخلاق والحياء والكبرياء والذكاء احيانا، هو بالقياس إلى عصرنا جملة تفاهات اكل عليها الدهر وتقيأها ألف مرة. ولا يصلح تاريخا لأنه غريب عن تاريخنا فقد وقع في مكان محدد بعيد عنا وفي بيئة غريبة عنا. فحين كان الجاهليون يدفنون بناتهم كان هذا البلد تحكمه امرأة. أليس اعتماد هذا العصر في مدارسنا انفصاما وتقمصا لشخصية الغير معالي الوزيرة؟ بالتاكيد تعلمين أن تعليم هذه الحقبة التاريخية وعلى مدى سنة دراسية كاملة بالنسبة لطلاب الثانوي لا يسمن ولا يغني من جوع . ففي السن التي ينكب فيها تلاميذ الجزائر مجبرين على حفظ صدى الهتيت لدى امرئ القيس وزهير بن ابي سلمي وعنترة بن شداد وطرفة بن العبد وباقي شعراء المعلقات، بدأ مارك زوكربيرغ التفكير في اسعاد العالم بأحد اكبر الانجازات العلمية لبداية القرن الواحد والعشرين.. موقع الفيسبوك الذي قرب الناس من بعضهم وجعلهم يجتمعون ويتحاورون وهم على مسافة آلاف الاميال. تطلب الاقسام الادبية والعلمية والتقنية من التلاميذ حفظ تلك المعلقات، لكنها تحرمهم من الاطلاع على ادبهم القديم.. فهل يعرف التلاميذ والمعلمون والمدراء ومستشارو التربية والمفتشون وطلاب كليات الآداب والقانون في الجامعات شيئا عن “ التحولات الحمار الذهبي “ الذي صُنف على أنه أول رواية في التاريخ صاحبه جزائري اسمه أفولاي؟ وان اشهر مرافعة قضائية هي “ مرافعة صبراتة “ التي دافع فيها عن نفسه امام كوكبة من القضاة؟ الغريب أن أفولاي أو ابوليبوس هو ابن مادور أو مداوروش كاتب وخطيب نوميدي وفيلسوف وعالم طبيعي وكاتب أخلاقي وروائي ومسرحي وملحمي وشاعر غنائي.. لا يعرف عنه التلميذ الجزائري أي شيء مع أنه يجمع بين كل هذه الخصائص والتخصصات ، لكنه بالمقابل يعرف تفاصيل حياة رجل تفاعل لسانه مع الهتيت في الربع الخالي. وفي قلب مدينة بجاية مدرسة باسم “ الخلدونية” مر منها عشرات الآلاف من التلاميذ منذ الاستقلال دون أن يعرفوا اصل التسمية تماما كما لا يعرف معظم العنابيين أن القديس اوغسطين الفيلسوف الانساني الفذ ابن سوق اهراس حارب مع اهله دفاعا عن مدينته ضد الغزو الوندالي الهمجي إلى أن توفي تحت الحصار. فصول مشرقة من تاريخ الجزائر وادبها القديم محجوبة على التلاميذ والطلاب واكلها غباز الزمن فيما لا يجرؤ أحد على تجاوزقدسية العصر الجاهلي. فهل من جريء يفعل؟