يتحدث الروائي الجزائري والمدير السابق للمدير العام لشبكة الجزيرة عن تجربته في عالم الرواية، وعن الصنوف الروائية التي تروقه سواء في الجزائري أو العالم العربي، كما يتحدث عن مجمل الأطر التي تتحكم في صياغة الرواية، وعن أفق الرواية التي يراها مهمة وكركن ركين في بناء أي فيلم سينمائي درامي. في جعبتكم روايتان، فهلا حدثتنا عنهما بإسهاب؟ روايتان دخلت بهما عالم الكتابة والتأليف، الأولى حب في زمن الخيانة، والثانية حارس الحظيرة، اكتشفت نفسي من خلال هاتين المحاولتين أنني مشروع روائي مبتدئ يستطيع أن يضع يده على المشكلة ويشخصها بأسلوب روائي قصصي مثير، الرواية الأولى تحوي حوالي مائة صفحة وتتحدث عن شاب جزائري يكسر كل القيود ويسافر خارج وطنه متجها إلى فرنسا التي يعتبرها الشباب الجزائري مشروع بداية تكوين الثروة والمال، عمل نادلا في مقهى ليحقق مشروع زواجه من حبيبته التي تنتظره في الجزائر، ثم ينتقل إلى دولة خليجية عندما أتيحت له الفرصة لصناعة مستقبل أفضل، يلف هذا الانتقال مجموعة من المغامرات المثيرة يتعرض لها في تلك الدولة الخليجية، لتصل الرواية إلى أوج عقدتها بأن يطلق زوجته التي طالما أحبها، وغامر من أجل مشروع زواجه منها، ويدخل في مغامرة عاطفية مع امرأة أخرى متزوجة، وتستمر أحداث الرواية إلى أن يعود إلى رشده ويراجع نفسه ويطلب من زوجته مرة أخرى أن ترجع إليه وتعود أيضا حياته إلى مجراها الأول. أما الرواية الثانية فكتبتها بعصارة ألم شديد، تدور أحداثها أيضا في الجزائر وتحديدا في منطقة قسنطينة، تتحدث عن اختطاف طفلين صغيرين مات الأول من فعل الاغتصاب، وعاش الثاني منكسرا ذليلا من هول ما رأى ليحكي لنا معاناة الاختطاف والاغتصاب، وتؤرخ عيناه للحظة وفاة أخيه الأصغر، ولفظ أنفاسه الأخيرة وهو مسند رأسه على فخذه، وبعد معاناة نفسية شديدة، كتب له أن يندمج مرة أخرى في المجتمع، ويكمل دراسته ليصبح قاضيا يحكم بالعدل بين الناس، ولكن رغبة الانتقام من قتلة أخيه مازالت توقد نار تلظى في فؤاده، ولكن ماذا يحدث عندما يصبح مقتدرا؟ هذا ما تتحدث عنه الرواية الثانية. أردت بهذه المساهمة أن أخلد اسم الطفلين البريئين (ابراهيم حشيش وهاورون بودارية) اللذين اختطفا واعتدي عليهما ثم قتلا ورمي بجثتيهما في العراء، وأرجو أن أكون قد وفقت لذلك. رغم وظيفتكم الإدارية إلا أنكم استطعتم أن تدخلوا مجال الأدب.. كيف كان ذلك؟ في اعتقادي أن العمل في مجال معين أو حرفة معينة ما هو إلا طريقة لاكتساب الرزق، وهذا لا يتعارض أبدا مع كون الإنسان له اهتمامات وهوايات أخرى يمارسها، والكتابة هي هواية مثلها مثل أي هواية أخرى سواء أكانت رياضة أو رسما أو موسيقى أو غير ذلك، أما أنا فأعتبر الكتابة متنفسا ألجأ إليه للتعبير عن أحاسيسي الداخلية بدءً، والتعبير أيضا عن قضايا وطني. يرجع تاريخ كتاباتي إلى مراحل متقدمة من عمري، حيث كنت أبدع في مواضيع الإنشاء في المدرسة، وكانت القطع الإنشائية التي أكتبها يصفها أساتذتي بأنها قطع أدبية من العصر الذهبي، وفي بداية المرحلة الثانوية كتبت مقالا عن مجزرة الحرم الإبراهيمي التي قام بها اليهود في القدس الشريف، واطلع عليه مدير معهد أصول الدين بجامعة الأمير عبدالقادر، الدكتور خميس بن عاشور، ساوره شك عظيم أنني من كتب هذا المقال من ثلاث صفحات، ثم قال لي إن كنت أنت الكاتب فأنت سابق أترابك، سافرت لاحقا إلى الدوحة سنة 1996، وشاركت بمقال سياسي استقيته من كتاب الرئيس الراحل محمد بوضياف (الجزائر إلى أين)، وصفت فيه حالة التردي التي وصلت إليها البلاد أثناء مرحلة العشرية السوداء، كان ذلك حال وصولي مباشرة في إحدى المجالات، ربحت حينها المركز الأول، ونشر المقال في المجلة الأسبوعية لتلك المؤسسة، وسلم لي مبلغ مالي محترم، ولكنني للأسف لم أكمل في هذا المجال، فقد أتيحت لي الفرصة حينها للعمل في أحد البنوك القطرية، مما جعل وقتي وتفكيري ضيقين جدا، ولكنني استعدت الكتابة منذ التحاقي بالجزيرة سنة 2005 بنشر بعض المقالات، لذا أعتقد أن تاريخي مع الكتابة قد سبق تخصص عملي. لو طلب منكم تحويل الروايتين إلى المجال السينمائي فكيف ترون الأمر؟ الرواية عندما تطبع في كتاب تكون قد أكملت نضجها في فكر صاحبها وولدت إلى هذه الدنيا، فيراها صاحبها كطفل صغير ينمو ويترعرع أمام عينيه، وأجمل من هذا الإحساس أن يجسد هذا العمل إلى عمل تلفزيوني أو سينمائي يخلد اسم وفكر صاحبه. للأمانة جميع الأصدقاء الذين قرؤوا الروايتين، وربما الكثير منهم بعيد عن مجال إنتاج الأفلام السينمائية اتحدت أقوالهم وأذواقهم أن هاتين الروايتين هما مشروع فيلمين سينمائيين، أما على المستوى الشخصي فإنني أرغب أن تقع هاتان الروايتان في يد شخصية فنية تستطيع تحويلهما إلى فيلم سينمائي، وبالأخص الرواية التي تتحدث عن اختطاف الأطفال، هذه أمنية أرجو أن تترجم إلى أرض الواقع، مع العلم بأنني قد طرقت عدة أبواب خارج الجزائر، ولكنها باءت جميعها بالفشل، بل بدأت خطوات عملية مع شركة إنتاج مغربية، ولكن موضوع التمويل كان عائقا، فقد كلمني مدير الإنتاج بشكل شخصي عندما قرأ رواية حارس الحظيرة، والتي أبدى انبهاره بها، وباشر في كتابة السيناريو، غير أنني فرحت كثيرا عندما لم يكتب لها الإنتاج الاكتمال وقتذاك، لأنني كنت وما زلت أفضل أن تكون هذه الرواية مشروعا جزائريا بحتا، كتابة وإخراجا وتمثيلا. كل روائي من المؤكد أن لديه مدرسة ينتمي إليها ويغرف منها، فما هي مدرستكم الروائية؟ ربما لم تتح لي الفرصة للانتساب إلى إحدى مدارس الرواية، فمازلت أعتقد أن هاتين الروايتين مجرد خطوة أولى في طريق طويل، ولكنني إن خيرت في الانتساب إلى إحدى المدارس، فإنني أفضل الرواية الواقعية السياسية والرواية الرومانسية، دون غيرهما من المدارس الأخرى لأنني أجد قدرة على ممارسة هذا النوع من الكتابة بشكل شيق، فلك إذا أن تعتبرني من المدرسة الواقعية أو الرومانسية. من هو الروائي الجزائري الذي تقرأون له؟ قرأت لأحلام مستغانمي وقرأت لواسيني الأعرج وكاتب ياسين وياسمينا خضرا وغيرهم كثير، لا أريد أن أصدر حكما على أولئك العمالقة، بأن أقول أن كتابة فلان تروقني أكثر من علان، لأنني مازلت على أعتاب السلم مبتدئا، ولكنني أرتاح كثيرا عندما أقرأ كتابات أحمد رضا حوحو، أجده في الكثير من الأحيان قريبا إلى قلبي يشاركني أفكاري وأتقاطع مع كتاباته فكريا في منعرجات كثيرة، بل أتمنى في بعض القراءات أن يكتب فكرة معينة، فأجده يذكرها بعد عدة أسطر، على الرغم من قلة مؤلفاته التي وصلتنا إلا أنني أجد نفسي منبهرا بكتاباته وأقاصيصه. أضيف هنا فقط للأهمية أنني أيضا وكغيري من القراء متأثر بروايات باولو كويلو المترجمة إلى اللغة العربية، وأكون في حالة سكر وغياب عن الواقع عندما أمسك كتابات نزار قباني وأغوص في تلك التشبيهات والأبيات التي لم يأت التاريخ المعاصر بمثلها. وكيف ترون مستقبل الرواية الجزائرية ؟ يقال إن الجزائر أكبر من بلد وأصغر من قارة، وهذا المثل في اعتقادي ينطبق على الكثير من الأشياء، والرواية من ضمنها، أنجبت الجزائر أقلاما لامعة وجواهر خالدة، ولكنني أعتقد أنه يوجد خلل في تسليم المشعل من جيل إلى آخر، فالجيل الذهبي قد يطلق عليه عبارة أنه ولد أديبا، ولكن للأسف لم ينجح في توريث هذا الفن إلى الجيل اللاحق الذي ولد بعيدا عن اللغة والأدب، فلا العربية أبدع فيها ولا الفرنسية، إلا بعض الاجتهادات الفردية، بالرغم من توجه الكثير من الأقلام المعاصرة إلى فن الرواية، فتحس بأنها أصبحت موضة أكثر منها عملا أدبيا. وأقصد بالخلل في تسليم المشعل هنا أنه لا توجد مساحة ثقافية أو مناسبات سنوية على الأقل، أو ربما برنامج ثقافي لانتقاء الأقلام الممتازة ووضعها في الطريق الصحيح، وتبنيها أدبيا والإشراف عليها من عمالقة الرواية الجزائرية، وهو ما قد ينجم عنه انقراض لفن الرواية العربية الهادفة على المدى المتوسط، أو ربما المدى البعيد. عشتم حقبة طويلة في قطر، ما التجربة التي خرجتم بها من هناك؟ قطر كانت المحطة الأولى التي بدأت فيها مشواري العملي سنة 1997، مازالت تعج بالذكريات الرائعة والجميلة، من أهم تجاربي في قطر أن ذلك البلد يفتح لك آفاقا غير محدودة وفرصا كثيرة على الصعيدين الثقافي المعرفي والعملي، فعلى الصعيد الأول تمكنت من حضور عدة ورشات ودورات في جميع المجالات الإعلامية، بدأتها بدورة مطولة في المراسل التلفزيوني مع الصحفي الكندي دوغ ريشتون، وهو من ألمع الصحافيين الكنديين، ثم دورات مكثفة في انتاج وصناعة الأفلام الوثائقية مع مؤطرين أستراليين وألمان وعرب، دون أن أهمل مجال إدارة وتسيير المؤسسات الإعلامية ومهارات الكتابة وغيرها من الدورات التكوينية الاخرى، بالإضافة إلى حضور العديد من المنتديات والمهرجانات التي تميزت الدوحة بتنظيمها في السنوات الماضية، والتي تعتبر فضاء جميلا، وفرصة عظيمة للالتقاء بالمثقفين والإعلاميين وحتى كبار المسؤولين السياسيين من مختلف أنحاء العالم. أما على الصعيد العملي، فقد تمكنت خلال فترة عملي الممتدة من 2005 وحتى 2016 وهو تاريخ استقالتي من الجزيرة من الاحتكاك مع كبار الإعلاميين العرب العاملين في قناة الجزيرة، ومكنني منصبي حيث كنت أعمل بوظيفة مدير مكتب مدير قناة الجزيرة من الاطلاع عن قرب عن مطبخ الأخبار والبرامج، وكذا التواصل اليومي مع المحررين والصحافيين في غرفة أخبار الجزيرة، وأعتبر أنني تركت خلفي قاعدة بينات تعج بالأصدقاء من مختلف أنحاء الدول العربية، بل من العالم ككل. ما هي أفضل رواية قرأتها؟ هناك الكثير من الروايات الجميلة التي تأخذك بعيدا وتأسر وقتك وعينيك، فتجد أنك من الصعب أن تغادر أو تقطع حبل القراءة، ولكن قد تتعجب إذا أخبرتك أن أفضل رواية قرأتها هي لشاب كويتي، وهي رواية ”ساق البامبو” لكاتبها سعود السنعوسي والتي فازت بالجائزة العالمية للرواية العربية، سنة 2013، الرواية حولت إلى مسلسل خليجي عرض في شهر رمضان السنة الماضية على ما أعتقد، وسبب إعجابي بهذه الرواية أنني ربما عشت فترة طويلة في الخليج، ولدي مشروع كتابة نفس فكرة تقريبا مع اختلاف طفيف في الموضوع، بدأت كتابة تلك الرواية منذ فترة ثم توقفت عن الكتابة، ولعلني أجد الفرصة لأكمل الغوص في ثناياها إن شاء الله. كيف تختارون شخصياتكم في الراوية هل من محض الخيال أم من الواقع؟ حسب طبيعة الرواية، ولكن غالبا ما تكون فكرة أو موضوع الرواية واقعي، كما هو الحال في روايتي الأولى والثانية، ولكن بعض المواضيع الحساسة يستحسن أن لا تحمل نفس أسماء الشخصيات والأماكن الحقيقة، بينما في الرواية الثانية اعتمدت الاسمين الحقيقيين لبطلي الرواية، وأما بقية الشخصيات فليس مهما أن تكون حقيقية أو خيالية في اعتقادي. فالمحافظة على الفكرة الرئيسية هي الأساس، لأن القارئ بطبعه يحب الغوص في تفاصيل التفاصيل، وخاصة روايات الغراميات. هل هناك رواية جديدة في الأفق؟ نعم هناك أكثر من رواية في الأفق، والأهم أنني الآن قد طرقت فنا جديدا وهو كتابة المذكرات الشخصية، حيث أنني أعكف الآن على كتابة مذكراتي، وهو عمل أرجو أن يرى النور قرييا، لأنني أعتبر نفسي شابا جزائريا كنت أرغب في الهجرة خارج وطني، وقد فعلت وحظيت بذلك الحلم، ثم وفقت للعمل في مؤسسة إعلامية هي الأكثر شهرة في العالم العربي، وكنت في منصب يمكنني من معرفة الكثير من الأمور التي تخفى عن باقي الموظفين، فضلا عن المشاهدين، وبالتالي فإنني أعتقد أنه حق علي أن ألخص هذه التجربة الشخصية ليطلع عليها المهتمين. أما فيما يخص الرواية، فهناك رواية قد ذكرت فكرة عنها في الجواب الثامن، وأخرى أيضا بدأت تشكيلها ولكنها لم تزل تحت الإنشاء، أرجو أن تتاح لي الفرصة كي أنهي هذه الأعمال جملة واحدة.