إعتصم، ليلة الخميس إلى الجمعة، عدد كبير من أهالي المعتقلين من الموقوفين في أحداث الشغب والمظاهرات التي إهتز لها الشارع ببلدية قديل، بعد انتهاء المؤسسات العمومية من نشاطها، من يوم الثلاثاء بعدالساعة الخامسة ونصف، وذلك أمام مقر أمن دائرة قديل، للمطالبة بإطلاق صراح أبنائهم وأزواجهم وسط أجواء مشحونة بالغضب والتوتر، لا تزال مشاهدها تترجمها أعمال التخريب القائمة في العديد من المواقع والشوارع، التي لازال مواطنيها يعيشون حالة غليان شديدة، وسط إجراءات أمنية مشددة من قبل وحدات أمن الجمهورية، وقوات التدخل السريع، تحسبا لأي انزلاق جديد قد يزيد الوضع تأزما• كانت عقاريب الساعة تشير إلى الخامسة مساءا من يوم الخميس، عندما دخلنا بلدية قديل التي تبعد عن مقر بلدية وهران ب 27 كلم، كل شيء بشوارع البلدية يوحي أن الأمور لا تسير عادية، وأن الوضع غير مستقر، والأجواء مضطربة، والتي تعكسها شاحنات وحدات الأمن وقوات التدخل السريع، التي كانت على إستعداد لأية تدخل طارئ، والتي تمركزت أمام مقر أمن الدائرة والباب الرئسي لمقر البريد، شوارع شبه فارغة من أهاليها، ما عدا الشارع الرئيسي الأمير عبد القادر المؤدي إلى وسط البلدية، أين يتواجد النصب التذكاري لرمز المقاومة الشعبية الأمير عبد القادر، والذي كان يعج بجمع كبير من الشباب الغاضب والثائر من الأوضاع الإجتماعية المتدهورة لهم بالبلدية، حيث يتجرعون مرارة الفراغ، في الوقت الذي عجز فيه المنتخبين الجدد نفض الغبار عن البلدية، وفتح خلايا إصغاء وتكفل بإنشغالات المواطنين، الذي يترجمه واقع الشباب البطال• دخلنا شارع ساحة الإستقلال، ووجدنا عدد كبير من الشباب في حلقة دائرة مع ضابط أمني بذات الدائرة، في محاولة منه لإمتصاص غضب وغليان الشباب، وبين اللحظة والأخرى، كانت تتعالى أصوات المحتجين من الشباب، مطالبين بإطلاق الفوري للموقوفين في المظاهرة، بعدما وصل عددهم كما علمنا 20 شخصا، في الوقت الذي يعلن فيه الشارع بقديل عن أكثر من46 متظاهرا منهم أطفال قصر• التنمية غائبة بقديل ومنتخبون عاجزين عن تدارك الوضع كان من المنتظر أن تتطلع بلدية قديل، بالنظر إلى موقفها الجغرافي، القريب من قرية كرشتل السياحية، التي لا يبعدها عنها إلا مسافة 10 كلم، وعن المنطقة البتروكيماوية لمجمع سوناطراك لأرزيو إلا ب 15 كلم، أن تحقق الوثبة الحقيقية في مجال التنمية، التي تعيد الأمل لسكانها وبالأخص لشبابها البطال، الذي فاقت بنسبة 76%، ما جعلهم يشعرون بإحباط نفسي كبير وخيبة أمل، بعدما إمتص الكثير منهم زوارق الموت نحو المجهول في أكثر من مرة، كما عجز المنتخبون الجدد التكفل بإنشغالات المواطنين، ولاشك أن رئيس البلدية وطاقمه المختلفة التشكيلات السياسية، كان عليهم أن يدركوا أن تزكية المواطنين لهم في الإنتخابات المحلية السابقة لم تكن إلا عاملا للنهوض الفعال بالبلدية وإعطاء دفع جديد لحركة التنمية المحلية من خلال تدعيم مختلف القطاعات بمرافق وهياكل حيوية، وكذا توفير مناصب شغل، وتوزيع وانجاز المحلات التجارية التي أقرها رئيس الجمهورية في برنامجه، بدل التهميش والعزلة، فلا مساحات خضراء ولا فضاءات للترفيه أو اللعب لإستغلال أوقات الشباب، في أمور بعيدة عن الفراغ القاتل الذي يعانون منه، بدل الزحمة الكبيرة للمقاهي، التي تميز شوارع البلدية، والتي قضى فيها الشباب البطال وقته، في الوقت الذي يحمل فيه المواطنين تردي الوضع إلى سلطات الدائرة والبلدية، في غياب المرافق التي لها علاقة مباشرة بالحياة اليومية للمواطن، والتي أدت إلى تزايد رقعة البطالة من يوم لآخر، وتزداد معها مظاهر الإنحراف، والتي تتجلى من خلال تفشي الكثير من الآفات الإجتماعية وصور الإجرام وتعاطي المخدرات وغيرها من الآفات الخطيرة، التي تهدد الفرد والمجتمع، أمام عراقيل البروقراطية للإدارة، وتقاعس البنوك في تمويل مشاريع الشباب• السكان يتجرعون مرارة التسيير الأعرج أجمع الكثير من المواطنين البلدية على أن أمهات القضايا لمواطني البلدية لا تزال عالقة وبشكل ملفت للإنتباه، أمام النقص الفادح في وسائل النقل، وغياب المياه الصالحة للشرب، حيث يعيش السكان في سباق مع الزمن وراء الصهاريج، للظفر بالماء العذب الصالح للشرب، والتي لا يعلمون مدى نظافتها، بالإضافة إلى عملية التوصيل الفوضوي للتيار الكهربائي في العديد من الأحياء الفوضوية، التي تحيط بالبلدية بحي الحمار، الذي يعد صورة للبؤس والحرمان وسط جحيم القصدير، والتي لا تتوفر على أدنى شروط الحياة الكريمة، بالرغم من الملفات العديدة المطروحة على الدائرة، إلا أنها حسب أهالي البلدية تبقى حبيسة أدراج المسؤولين رغم الطلبات المتكررة، هذا إلى جانب أن البلدية لا تتوفر إلا على مصنع للآجر، والذي لم يعد قادرا على استعاب العدد الكبير للشباب البطال الذي سئم من الوعود والإنتظار، ولم يجد من يتكفل بمشاكله ومعاناته، والذين ندّدوا في أكثر من مناسبة من تجاهل سلطات البلدية والدائرة لهم ولأصواتهم وشكاويهم المتكررة المرفوعة إليهم، معبرين بذلك بسياسة الهروب إلى الأمام المنتهجة من قبل المتعاقبين على تسيير شؤون البلدية، وهم اليوم يطالبون بتدخل سلطات الولاية لتحسين ظروفهم المعيشية، وانقاذهم من دائرة الفراغ، الذي وجدوا أنفسهم يتخبطون فيها، ولا حياة لمن تنادي• جمعيات عاجزة وتتسابق فقط على قفة رمضان خلال زيارتنا للبلدية، وقفنا عند واقع ثلاثة جمعيات، يقال أنها فاعلة إلا في رمضان، تتسابق فقط على الظفر بقفة رمضان، ليس لأجل فقراء ومعوزين البلدية من المواطنين، وإنما لتحقيق أغراضهم الشخصية، لتحويل الكثير منها إلى منازلهم على حساب الفئات المحرومة، حيث حملت مسؤولية تدهور الوضع بالبلدية إلى مسؤوليها، بعد غياب مفاتيح الفرج في يدها، بالرغم من الدور الكبير الذي كان من المفروض أن تلعبه في تنشيط الساحة، وفتح منافذ للتنفس خاصة بالنسبة للشباب البطال، إلا أن الواقع يعكس كل التطلعات، حيث كانوا جالسين كما رأينا مع الأمين العام لدائرة قديل لتجرع كؤوس الشاي وفناجين القهوى، والمواطنين يعيشون حالة غليان، الوضع الذي ينذر بالإنفجار بين اللحظة والثانية، في الوقت الذي كان فيه ظابط أمني يتبادل لغة الحوار مع جمع من الشباب، الحركات الجمعوية بذات البلدية، كانت في جلسة حميمية مع الأمين العام للدائرة بالقرب من ساحة الأمير عبد القادر بإحدى المقاهي، أين يترقبون الوضع إلا من بعيد، دون محاولة منهم لتهدئة الوضع، وفتح خلايا إصفاء من قبل الحركات الجمعوية لإمتصاص غضب الشارع، الذي يحمّلهم مسؤولية تدهور الوضع بالبلدية، خاصة بعد افراغ باعة السمك من السوق، وتحويلهم إلى فضاء آخر لم يتقبله البعض، هذا بالإضافة إلى مطاردتهم من عرض سلعهم من الخضر على الطاولات دون طرح البديل، إلى جانب - كما علمنا - توزيع عدد من محلات تجارية بصورة لم يهضمها الشارع بقديل زادت من تعفن الوضع•