سبق لزينت سديرة أن عرضت أعمالا في الجزائر في رواق "إسمي" برياض الفتح، ومن خلال الصور التي أنجزتها وتعرض حاليا بالمركز الثقافي الفرنسي تعاود زينب سديرة طرح هذا السؤال المحير والذي ينهش نفوس الفنانين وحتى الإنسان العادي الذي عاش في بيئة وثقافة أخرى بعيدا عن وطنه، إنها أسئلة الهوية المتعلقة بالأنار والآخر ماذا يمثلان؟ وما يمكن أن يضيفا من إيجابيات في عالم يتحيز وتغذيه أفكار تحاول تصوير الآخر بأنه مختلف ويستحيل التحاور معه، وحتى مجرد الاقتراب منه يعد ضربا من الجنون• تحمل أعمال زينب سديرة والتي سمتها "وسط البحر" الكثير من الأحلام، ونلمس هذه الرغبة الكامنة في زينب في أن تجعل من الجزائر ومارسيليا بلدين تجمعهما الكثير من التشابه، فزينب ولدت ونشأت في فرنسا وهي من أصول جزائرية، وهنا ندرك حلمها ورغبتها في تصوير هذا التلاحم الذي تريده أن يكون ممكنا لمن عاش بعيدا عن الوطن، لمن تغذى من ثقافتين مختلفين وإن كانت ترى أن الكثير من الأمور يمكن أن تجمعها حتى وإن كان هناك اختلاف• تعد أعمال زينب التي تعرضها حاليا بالمركز الثقافي الفرنسي تكملة لسلسلة ثلاثية كانت قد عرضت الجزء الأول منها مؤخرا من خلال معرض "سفير" بالجزائر، وتأتي مجموعة "وسط البحر" كتكملة للحزء الأول• التقطت زينب سديرة صورة لرجل على ظهر سفينة، في رحلة من مارسيليا إلى الجزائر وعلى وجهه ترتسم ملامح تعلوها مسحة من القلق، إنه ينظر إلى الأفق الواسع الذي يعلو البحر الأبيض المتوسط والذي يجمع دولا في شماله وأخرى في جنوبه، إنه الخط الفاصل بينها• وتعتري هذ الرجل ذكريات كثيرة خلال سفره من الضفة الأولى إلى الثانية تتزاحم الأفكار والأحداث في ذاكرته، تعيده نسمات البحر وصوته الهادئ إلى واقعه، ينظر إلى لون البحر الجميل، ورائحة البحر التي علقت بها قطرات مالحة فيظل الرجل منجذبا بين ماضٍ بعيد وحاضر يعيشه ومستقبل لا يعرف سره• إن الرجل ينتظر ولا يملك غير الانتظار للوصول إلى الضفة الأخرى، حياته كلها رهن انتظار ما سيحدث حين يصل، وفي الحقيقة فإن هذا الرجل لا يمثل سوى خلجات وأحلام وأيضا انتظار زينب سديرة لشيء ما• إنه يعكس نفس زينب سديرة التي تظل تنتظر والتي يؤرقها هذا السؤال الذي يختزن كلا من الأنا والآخر، إنها رحلة النفس الإنسانية في فضاء واسع رحب يبتدأ بالأسئلة لينتهي من حيث بدأت•