قال الجنرال الذي قاد الإنقلاب في موريتانيا، أن انقلابه ليس انقلابا، بل هو انقلاب على انقلاب الرئيس عليه ..! والمنطق الذي تكلم به الجنرال برتبة رئيس في موريتانيا لا يفهم إلا في سياق منطق جيوش العالم الثالث.. فالجنرال قال إنه خلع الرئيس من منصبه لأنه أصدر قرارا بخلعه من منصبه..! وأن الجنرال قد أجرى مفاوضات مع الرئيس من أجل التراجع عن موقفه ولم يفعل فاستحق أن يعزل ..! ويستقيم هذا المنطق أكثر حين نعلم بأن الجنرال هذا هو إبن أخت الجنرال الذي نظم الإنتخابات الرئاسية وانسحب..! وأنه تربى في أحضان أسرة الرئيس المخلوع.. وأنه كان أداة العقيد ولد فال في إيصال الرئيس المخلوع إلى سدة الحكم..! وأن المسألة كلها لا تعدو أن تكون هوشة عائلية بين أفراد عائلة واحدة كان سببها تقاسم الريع بالقسطاس أو بغير القسطاس.. ! الجنرال الإنقلابي هو الذي ساعد الرئيس المخلوع على استلام الرئاسة وهو بدوره رقاه من عقيد إلى عميد وركز في يده كل سلطات الجيش رغم أنه مجرد رئيس العسس الرئاسي؟! والجنرال الانقلابي على حق حين يقول بأن الرئيس المخلوع في صحة جيدة وفي مكان آمن، ذلك أن الجنرال لا يرى في العملية أية غرابة، فالمخلوع هو الوالد الذي تربى في حضنه الخالع..! ولذلك لابد أن تكون علاقتهما كعلاقة أمير قطر بوالده حين خلعه من عرشه وتولى المنصب مكانه..! ودعاه إلى البيت معززا مكرما ! معنى هذا الكلام أن العرب أبدعوا في أشكال النظم السياسية، فهناك الإنقلابات الوراثية بين الأسر وأبنائهم وهناك الجمهوريات الوراثية التي يرث فيها إبن الرئيس الشعب والأرض والجمهورية، كما يرث الوارث تركة أبيه ! وها هي صيغة جديدة تخرج بها موريتانيا الشقيقة وهي أن يعزل المربي من رباه من الرئاسة ويعتبر ذلك حقه الدستوري الذي لا يتناطح فيه تيسان ! بقي أن نقول أن جنرال موريتانيا الجديد على حق حين يقول بأنه سينظم رئاسيات سريعة ، لأن ولد فال بالفعل يكون قد ترك الحكم ليعود إليه بواسطة اختصار عهدة الرئيس الذي خلفه في الرئاسة بواسطة الانتخاب، لكن من يضمن أن ولد فال لا يخرج عليه مرة أخرى رئيس العسس الذي أطاح بالرئيس الشيخ عبد الله .. ؟!