قيل إن أول مسجد ظهر إلى حيز الوجود في الصين كان في عهد أسرة تانغ (618-907م)، وهو مسجد هوايشينغ الذي يعني (الحنين إلى النبي) بمدينة قوانغتشو. ويقال بأنه شيد على يد المسلم وقاص الذي جاء إلى الصين لنشر الإسلام. كانت سونغجيانغ بلدة ذات موقع استراتيجي هام في الدفاع البحري في عهد أسرة يوان (1271-1368م). وقد انتقل إليها مسلم يدعى ناصر الدين في عهد تشيتشنغ (1341-1368م) ليعمل حاكما هناك. وحيث أنه كان متمسكا بالإسلام، فقد أخذ معه عددا كبيرا من المسلمين إلى هناك. وكان عدد منهم يعملون في الهيئات العسكرية والحكومية، بينما كان معظمهم يمارسون الزراعة والصناعات اليدوية. وقد بنت حكومة أسرة يوان مسجدا إمبراطوريا في سونغجيانغ، مما جعل أولئك المسلمين يعيشون هناك مطمئنين بدلا من أن تضطرب نفوسهم. هذا هو مبعث بناء مسجد سونغجيانغ القائم حتى زماننا هذا. يقع هذا المسجد في شارع قانغبنغهانغ من بلدة سونغجيانغ. وهو من المساجد ذات التاريخ القديم. وتشتمل مبانيه على قاعة صلاة ومئذنة ودورة مياه للوضوء وقاعة دعوة. وقد جرى ترميم هذا المسجد وتوسيع بنائه أربع مرات في سنة 1391 وسنة 1582 وسنة 1644 وسنة 1821م حسب ما جاء في التدوينات التاريخية المتوفرة هناك. يظهر على العتبة العليا لبوابة المسجد مقطعان منقوشان: "تشي جيان" ( البناء الإمبراطوري). وتواجه قاعة الصلاة برج مشاهدة الهلال القائم شرقها. وهو مرفوع الأفاريز. ويتظلل فناء المسجد بالأشجار الناضرة، ويسوده هدوء مما يثير في النفوس شعورا بالسكون والراحة النفسية. ويمكن للمرء أن يدخل إلى الفناء نزولا على الدرجات الغرانيتية تحت أقدام البرج، ثم يجد نفسه أمام قاعة الصلاة العريقة عبر الفناء. وهي عريضة الواجهات، وتتكون من ثلاثة مبان متراصة. وكانت فيها أعداد من الألواح الخشبية المزخرفة بالحواشي المنقوشة جيدا. في صدر كل منها كتابات صينية مموهة بالذهب علما بأنها مخطوطة على أيدي الشخصيات المرموقة دون استثناء. وبالإضافة إلى ذلك تتزين جدرانها بالكتابات العربية المموهة بالذهب. وهي تشكل زخارف متألقة، تنعكس فيها لوذعية حرفية القدامى.تشير الكتابات المنقوشة على النصب الحجري المقام سنة 1677م إلى أن المسلمين هناك كانوا قد لجؤوا، بمبادرة من ساي ين تشانغ، إلى ترميمه بما تبرعوا به من الأموال، مما أبقاه ثابتا على الدوام. وتشير الكتابات المنقوشة على النصب الحجري المقام سنة 1821م إلى أن ما جين، أحد العسكريين المسلمين، كان قد دعا إلى جمع التبرعات من بين المسلمين لينفقها في ترميم المسجد دون أن يسمح بصرفها لأغراض أخرى. فشارك المسلمون هناك في حملة التبرعات بحماسة ما بعدها حماسة تلبية لدعوة ذلك العسكري المسلم. وانتهى بهم الأمر إلى تجديد ملامح المسجد تماما.وقد غدا مسجد سونغجيانغ عرضة للسقوط في عهد جمهورية الصين (1912-1949). ومن أجل حماية الآثار التاريخية خصّصت الحكومة الشعبية الأموال سنة 1955 لترميمه، مما أعاده إلى الصورة التي كان عليها. وما يدعو إلى التألم هو أنه قد تعرض للتخريبات المدمرة في هوس الثورة الثقافية. ولم تجدد ملامحه الأبعد ترميمه مرة أخرى سنة 1980. وقد أدرج هذا المسجد القديم في قائمة الآثار التاريخية المصنفة والمحمية في بلدة شانغهاي.