وقعت أزمة أكتوبر أيام كان الشاذلي بن جديد رئيسا للجمهورية، والذي وصل إلى سدة الحكم عن طريق استفتاء سنة 1979، حيث اتسمت سنواته الأولى كقائد للبلاد بالحذر فالتعديلات التي جاء بها حينها لم تكن خارجة عن نطاق الاشتراكية، إلا أن حصوله على 95 بالمائة من الأصوات من خلال استفتاء سنة 1985، حفزه على إبعاد السياسة الداخلية تدريجيا عن اشتراكية بومدين، وغير طاقم الحكومة، معينا عبد الحميد إبراهيمي على رأسه. تبنى بن جديد استراتيجية إصلاحية تجديدية، تمحورت في اقتصاد السوق وتحرير الأسعار، كما أعطى اهتماما للزراعة وركز على الصناعة الخفيفة بدلا من الثقيلة، ودعا إلى تسريع إجراءات الخوصصة وفتح المجال للمستوردين الخواص، كما حاول محاربة الفساد بإعطائه حرية إنشاء مرصد حقوق الإنسان. لم تتمكن إصلاحات بن جديد من تحسين الوضع الاجتماعي للمواطن البسيط، بل انعكست إيجابياتها على الطبقة المتوسطة والعليا فقط، وزاد من تأزم الوضع ارتفاع نسبة البطالة، فوجدت الجزائر نفسها في نقطة فاصلة عام 1988 ميزها نقص العائد المالي في الميزانية، وسقوط قيمة الدينار، الذي أدى إلى رفع دعم أسعار أغلب المنتجات الزراعية، ما انعكس على ارتفاع سعرها في السوق، وخاصة أن الفترة شهدت انخفاضا في سعر البترول، ففقد الشعب الثقة في إصلاحات الشاذلي ورئيس حكومته قاصدي مرباح نتيجة للوضع. وسبق أزمة أكتوبر الأسود تذمرا لدى الشعب، وظهرت بوادره بشن العمال لإضرابات مفاجئة، انتهت بانفجار مظاهرات عارمة بتاريخ 5 أكتوبر 1988، تعد الأكبر في تاريخ البلاد بعد الاستقلال، حيث هاجم خلالها المتظاهرون أي شيء يرمز للحزب الواحد. حاولت الحكومة آنذاك السيطرة على الأزمة بإعلان الطوارئ، وتدخل الجيش في الطرقات، ما خلف مئات القتلى والجرحى بلغ عددهم حوالي 500 فرد معظمهم شباب. في العاشر من أكتوبر أطل بن جديد عبر التلفزيون، طالبا الصفح ومعترفا بخطأ الجيش، حيث ألغى بعدها حالة الطوارئ، وأعاد الجيش إلى ثكناته، وأعلن عن التحضير لاستفتاء تغيير الدستور. بعد أسابيع من المظاهرات، أقال بن جديد رئيس حكومته، قاصدي مرباح واستبدله بمولود حمروش. وفي 3 نوفمبر من نفس السنة، وافق الشعب من خلال استفتاء على تعديل الدستور، في شهر فيفري 1989، جاء دستور جديد، يعد الأهم بعد الاستقلال أبعد الدولة عن تبني الاشتراكية كعقيدة وكرس مبدأ التعددية الحزبية، لتدخل البلد أول انتخابات متعددة في تاريخها، في 19 جويلية 1990، حيث شارك 13 حزبا في معتركها، بينها الحزب الإسلامي "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، الذي فاز بحصة الأسد بنسبة 65 بالمائة من الأصوات. أدت نتائج الانتخابات إلى غليان الساحة السياسية وبدأت بوادر الصراع بين التشكيلات السياسية، فالآفلان لم يتقبل نتائج الانتخاب، والعلمانيون لم يقتنعوا بالإسلاميين كقادة، فخرجوا في مظاهرات عارمة، أما الإسلاميون فثاروا وخرجوا محتجين جراء تعديل قانون الانتخابات بالخامس جوان 1991، ولم يجد الشاذلي أمامه أي مخرج من الوضعية سوى اللجوء إلى الجيش الذي خرج لتبديد المظاهرات، حيث أوقف الآلاف من الإسلاميين، بينهم زعماء الحزب عباسي مدني وعلي بن حاج اللذين حوكما بعدها ب 12 سنة حبسا وتم على إثر ذلك إقالة مولود حمروش وطاقمه الوزاري وعين سيد أحمد غزالي بدله. وفي 26 ديسمبر من سنة 1991 تم تنظيم انتخابات تشريعية شارك فيها حوالي 50 حزبا، حيث حصدها الفيس أيضا بنتيجة ثلثي البرلمان، إلا أن الجيش تدخل وأعلن عن عدم تقبل النتائج وطالب باستقالة الرئيس بن جديد. وفي 11 جانفي قدم الشادلي استقالته، وكان آنذاك خالد نزار وزيرا للدفاع، فعين سيد أحمد غزالي رئيسا للمجلس الأعلى للأمن، الذي استبدل لاحقا بمجلس الدولة، كمرحلة انتقالية، تم الاتصال خلالها بمحمد بوضياف، أحد زعماء الثورة التاريخيين، من منفاه المختار طوعا، لقيادة مجلس الدولة الجديد وتمثيل رئاسة الجمهورية. كما أعيدت حالة الطوارئ وفككت الحكومة كل مجالس "الفيس" المنتخبة سابقا، منذ انتخابات جوان 1990. ومنعت أي نشاط سياسي للحزب حول المساجد. الحكومة التي شكلها بوضياف لم تدم طويلا بسبب اغتياله بتاريخ 29 جوان 1992، في اجتماع مع المواطنين بمناسبة افتتاح مركز ثقافي في عنابة، وكان القاتل عسكريا وظهر جليا أن الأزمة ستطول. عشرون شهرا بعد إلغاء الانتخابات، وبعد مقتل بوضياف، عين علي كافي رئيسا للدولة، وبعدها بأسبوع فقط، عين أحمد غزالي وبلعيد عبد السلام، خليفة له، وتميزت الأشهر التي أعقبت مقتل بوضياف بالعنف والدموية. 10 جويلية 1993 عين زروال وزيرا للدفاع الوطني إلى غاية 30 جانفي 1994، حيث عين رئيسا للدولة لتسيير شؤون البلاد طوال المرحلة الإنتقالية واختير مقداد سيفي كوزير أول إلى غاية 95 ، حيث خلفه رئيس الحكومة الحالي أحمد أويحيى. وفي 16 نوفمبر 1995 تم تنظيم انتخابات رئاسية فاز من خلالها اليامين زروال، وفي 11 سبتمبر 1998 أعلن هذا الأخير عن إجراء انتخابات رئاسية مسبقة، لينهي عهدته بتاريخ 27 أفريل 1999، حيث كان إسماعيل حمداني رئيس الحكومة آنذاك. وتلا إعلان زروال عن الانتخابات المسبقة، إعلان الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة الذي كان متواجدا بالخليج عن نيته دخول المنافسة الرئاسية كمترشح حر. وفي الثامن من أفريل 1999، دخل بوتفليقة معترك الانتخابات أمام سبعة مترشحين، يتمثلون في كل من حسين آيت أحمد، مولود حمروش، مقداد سيفي، أحمد طالب الإبراهيمي، عبد الله جاب الله، إلى جانب يوسف الخطيب، الذين انسحبوا من المعترك في آخر لحظة، ليصبح بوتفليقة رئيسا للبلاد. وقد شهدت فترة حكم بوتفليقة تعاقب عدة رؤساء حكومة، ففي سنة 1999 إلى غاية 2000 تقلد أحمد بن بيتور رئاسة الحكومة، خلفه علي بن فليس إلى غاية 2003، ثم أحمد أويحيى حتى 2006، وعين عبد العزيز بلخادم بدله، الذي استقال منذ أشهر، ليعود أويحيى إلى رئاسة الحكومة.